والخلاصة أن نزاعهم في مرتكب الكبيرة إنما هو في اسمه، لا في حكمه في الآخرة.

وهذه المعالم التي جاءت في كلام شيخ الإسلام دلت عليها أيضا بعض الآثار الواردة في بيان مذهب فقهاء المرجئة، ومنها: ما جاء عن مبارك بن حسان أنه قال لسالم الأفطس: "رجل أطاع الله فلم يعصه، ورجل عصى الله فلم يطعه، فصار المطيع إلى الله فأدخله الجنة، وصار العاصي إلى الله فأدخله النار، هل يتفاضلان في الإيمان؟ قال: لا" (?).

فهذا الأثر يفيد تساوي الإيمان عند البر والفاجر على رأي فقهاء المرجئة.

ومن الأسئلة التي وجهها معقل العبسي إلى نافع مولى ابن عمر قوله:

"قلت: إنهم يقولون: نحن نقر بأن الصلاة فرض ولا نصلي، وبأن الخمر حرام ونشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن ننكح؟ فنر يده من يدي، وقال: من فعل هذا فهو كافر.

قال معقل: فرأيت الزهري، فأخبرته بقولهم.

فقال: سبحان الله، فقد أخذ الناس في هذه الخصومات!، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) (1).".

ثم قال معقل: "ثم جلست إلى ميمون بن مهران، فقلت: يا أبا أيوب لو قرأت لنا سورة ففسرتها. قال: فقرأ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، حتى إذا بلغ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 1 - 21]، قال: ذاكم جبريل، والخيبة لمن يقول إن إيمانه كإيمان جبريل" (?).

ولما سئل عطاء بن أبي رباح عمن يزعمون أن إيمانهم كإيمان جبريل؟ قال: ليس إيمان من أطاع الله كإيمان من عصى الله (?).

وابن أبي مليكة رحمه الله يقول "لقد أتى عليَّ برهة من الدهر وما أراني أدرك قوما يقول أحدهم: إني مؤمن مستكمل الإيمان.

ثم ما رضي حتى قال: إيماني كإيمان جبريل، وميكائيل.

وما زال بهم الشيطان حتى قال أحدهم: إني مؤمن، وإن نكح أخته، وأمه، وبنته. والله لقد أدركت كذا وكذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما مات أحد منهم إلى وهو يخشى النفاق على نفسه (?).

وقد ذكر هذا المعنى عنه البخاري في صحيحه قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم يقول: إيمانه كإيمان جبريل" (?).

فهذه الآثار تدل على أن المؤمنين عند مرجئة الفقهاء سواء في الإيمان، ما دام أنهم أتوا بالتصديق والقول.

¤آراء المرجئة في مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية لعبدالله محمد السند - ص 499

طور بواسطة نورين ميديا © 2015