ويقول: "بل كانوا في أول الإسلام يكون الرجل مؤمنا كامل الإيمان مستحقا للثواب إذا فعل ما أوجبه الله عليه ورسوله، وإن كان لم يقع من التصديق المفصل بما لم ينزل من القرآن، ولم يصم رمضان، ولم يحج البيت، كما أن من آمن في زمننا هذا إيمانا تاما ومات قبل مات قبل دخول وقت صلاة عليه مات مستكملا للإيمان الذي وجب عليه، كما أنه مستحق للثواب على إيمانه ذلك. وأما بعد نزول ما نزل من القرآن وإيجاب ما أوجبه الله ورسوله من الواجبات وتمكن من فعل ذلك، فإنه لا يكون مستحقا للثواب بمجرد ما كان يستحق به الثواب قبل ذلك" (?).
الحجة الرابعة
أن الأعمال تدخل في الإيمان مجازاً لا حقيقة
قال شيخ الإسلام: "والمرجئة - المتكلمون منهم، والفقهاء - يقولون: إن الأعمال قد تسمى إيمانا مجازا؛ لأن العمل ثمرة الإيمان ومقتضاه؛ ولأنها دليل عليه. ويقولون: قوله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) (?) مجاز" (?).وإذا قالوا إن الأعمال من الإيمان من باب المجاز أمكنهم نفيها عنه؛ لأن علامة المجاز صحة نفية (?).
وقال شيخ الإسلام: "فإن قيل: ما ذكر من تنوع دلالة اللفظ بالإطلاق والتقييد في كلام الله ورسوله وكلام كل أحد بين ظاهر لا يمكن دفعه، لكن نقول: دلالة لفظ الإيمان على الأعمال مجاز. فقوله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) (?) , مجاز. وقوله: ((الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، ورسله)) (?). إلى آخره: حقيقة. وهذا عمدة المرجئة، والجهمية، والكرامية، وكل من لم يدخل الأعمال في اسم الإيمان" (?).
هذه هي حجتهم الرابعة، وفي نقضها يقول شيخ الإسلام: "ونحن نجيب بجوابين:
أحدهما: كلام عام في لفظ الحقيقة والمجاز. والثاني: ما يختص بهذا الموضع" (?).
ثم شرع رحمه الله في تحرير هذين الجوابين:
فأما الجواب الأول: ففي إبطال تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز في اللغة، بله النصوص الشرعية، وأن الحق أن الكلام يختلف معناه بحسب دلالة الإطلاق والتقييد.
وفي إبطال هذا التقسيم منع لإبطال معاني النصوص بدعوى المجاز، كما صنع المبتدعة في نصوص الصفات، وفي مسمى الإيمان.