وأجاب شيخ الإسلام عن ذلك بقوله:"أنهم خوطبوا به قبل أن يجب تلك الأعمال، فقبل وجوبها لم تكن من الإيمان، وكانوا مؤمنين الإيمان الواجب عليهم قبل أن يفرض عليهم ما خوطبوا بفرضه، فلما نزل إن لم يقروا بوجوبه لم يكونوا مؤمنين" (?).ومثل على ذلك بالحج، فإنه لم يأت ذكره في أكثر الأحاديث التي فيها ذكر الإسلام والإيمان، كحديث وفد عبد القيس حيث قال فيه صلى الله عليه وسلم: ((آمركم بالإيمان بالله وحده، هل تدرون ما الإيمان بالله وحده قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم، أو خمسا من المغنم)) (?)، وحديث ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه ((أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: آلله أرسلك إلى الناس كلهم فقال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة، قال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: اللهم نعم، قال: أنشدك بالله، آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسمها على فقرائنا قال: اللهم نعم، فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة أخويني سعد بن بكر)) (?).وإنما جاء ذكره في حديث جبريل، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسوله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت)) (?).وذلك لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة، فكان قبل فرضه لا يدخل في الإيمان والإسلام، فلما فرض أدخله النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان إذا أفرد، وأدخله في الإسلام إذا قرن بالإيمان وإذا أفرد (?).الحجة الثالثة (?)
قالوا: لو أن رجلا آمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ضحوة، ومات قبل أن يجب عليه شيء من الأعمال مات مؤمنا، وكان من أهل الجنة، فدل على أن الأعمال ليست من الإيمان.
قال شيخ الإسلام مجيبا عن ذلك:"وكذلك قولهم من آمن ومات قبل وجوب العمل عليه مات مؤمنا، فصحيح؛ لأنه أتى بالواجب عليه، والعمل لم يكن وجب عليه بعد" (?).
فالأمر ليس مرده لكون العمل ليس من الإيمان، بل لأن العمل لم يكن واجبا عليه في تلك الحال. يقول شيخ الإسلام: "فإن الله تعالى لما بعث محمدا رسولا إلى الخلق كان الواجب على الخلق تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، ولم يأمرهم حنيئذ بالصلوات الخمس، ولا صيام شهر رمضان، ولا حج البيت، ولا حرم عليهم الخمر والربا، ونحو ذلك، ولا كان أكثر القرآن قد نزل، فمن صدقه حينئذ فيما نزل من القرآن، وأقر بما أمر به من الشهادتين، وتوابع ذلك، كان ذلك الشخص حينئذ مؤمنا تام الإيمان الذي وجب عليه، وإن كان مثل الإيمان لو أتى به بعد الهجرة لم يقبل منه، ولو اقتصر عليه كان كافرا" (?).