لم تكن الأشاعرة على مقالة واحدة في مسمى الإيمان، وحتى شيخهم الأشعري مذهبه مختلف في ذلك، وحاصل أقوالهم في هذه المسألة ثلاثة، هي:
القول الأول: وافقوا فيه السلف في أن الإيمان قول وعمل. وهذا هو آخر قولي الأشعري، واختاره طائفة من أصحابه (?).
يقول شيخ الإسلام بعد ذكره قول الأشعري الذي وافق فيه الجهمية:"والقول الآخر عنه - يعني الأشعري - كقول السلف، وأهل الحديث: أن الإيمان قول وعمل، وهو اختيار طائفة من أصحابه" (?).
وقد نقل شيخ الإسلام حكاية أبي الحسن الأشعري لمقالة أصحاب الحديث في الإيمان، حيث قال: "ويقرون بأن الإيمان قول وعمل، ويزيد وينقص، ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق.
وذكر كلاما طويلا، ثم قال في آخره: وبكل ما ذكرناه من قولهم نقول، وإليه نذهب. فهذا قوله في هذا الكتاب، وافق أهل السنة، وأصحاب الحديث" (?).وكذلك نقل شيخ الإسلام إعلان الأشعري في كتابه الإبانة متابعة للإمام أحمد، إذ يقول: "قولنا الذي نقول، وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب ربنا عز وجل، وبسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن حنبل - نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته - قائلون، ولما خالف قول مخالفون" (?).
ويقول شيخ الإسلام: "ولهذا لما صار يظهر لبعض أتباع أبي الحسن فساد قول جهم في الإيمان خالفه كثير منهم، فمنهم من تبع السلف.
قال أبو القاسم الأنصاري شيخ الشهرستاني في شرح الإرشاد لأبي المعالي - بعد أن ذكر قول أصحابه - قال: وذهب أهل الأثر إلى أن الإيمان جميع الطاعات، فرضها ونفلها، وعبروا عنه بأنه إتيان ما أمر به فرضا ونفلا، والانتهاء عما نهى عنه تحريما وأدبا.
قال: وبهذا كان يقول أبو علي الثقفي، ومن متقدمي أصحابنا أبو العباس القلانسي، وقد مال إلى هذا المذهب أبو عبدالله بن مجاهد.
قال: وهذا قول مالك بن أنس إمام دار الهجرة، ومعظم أئمة السلف - رضوان الله عليهم أجمعين -.وكانوا يقولون: الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان" (?).
القول الثاني: وافقوا فيه فقهاء المرجئة، وابن كلاب، في أن الإيمان تصديق القلب، وقول اللسان. فقد ذكر شيخ الإسلام أنه لما ظهر لبعض أتباع أبي الحسن فساد قول جهم في الإيمان خالفوا إمامهم، وقالوا بقول المرجئة: إن التصديق بالقلب، واللسان (?).
ويقول أبو القاسم الأنصاري الأشعري في حكاية مذاهب أصحابه:
"وهل يشترط في الإيمان الإقرار؟