يقرر شيخ الإسلام أن نور النبوة كلما ظهر انطفت البدع، وأن قبح البدعة وظلمتها ونكارتها مرتبط - من حيث الجملة - بزمن ظهورها، فكلما انت أشد، فإن وقت ظهورها يتأخر عن عصر الرسالة، فأول فرق الضلال ظهورا الخوارج واليعة، ثم القدرية والمرجئة، ثم الجهمية. يقول شيخ الإسلام: "والبدعة كلما كانت أظهر مخالفة للرسول يتأخر ظهورها، وإنما يحدث أولا ما كان أخفى مخالفة للكتاب والسنة" (?).ويقول: "وكان ظهور البدع والنفاق بحسب البعد عن السنن والإيمان، وكلما كانت البدع أشد تأخر ظهورها، وكلما كانت أخف كانت إلى الحدوث أقرب، فلهذا حدث أولا بدعة الخوارج والشيعة، ثم بدعة القدرية والمرجئة، وكان آخر ما حدث بدعة الجهمية" (?).ويقول أيضا: "فإن البدع إنما يظهر منها أولا فأول الأخف فالأخف، كما حدث في آخر عصر الخلفاء الراشدين بدعة الخوارج والشيعة، ثم في آخر عصر الصحابة بدعة المرجئة والقدرية، ثم في آخر عصر التابعين بدعة الجهمية معطلة الصفات" (?).ويقول: "ومعلوم أن أهل الكتاب أقرب إلى المسلمين من المجوس والصابئين والمشركين، فكان أول ما ظهر من البدع فيه شبه من اليهود والنصارى، والنبوة كلما ظهر نورها انطفت البدع، وهي في أول الأمر كانت أعظم ظهورا، فكان إنما يظهر من البدع ما كان أخف من غيره، كما ظهر في أواخر عصر الخلفاء الراشدين بدعة الخوارج والتشيع، ثم في أواخر عصر الصحابة ظهرت القدرية والمرجئة، ثم بعد انقراض أكابر التابعين ظهرت الجهمية، ثم لما عربت كتب الفرس والروم ظهر التشبه بفارس والروم، وكتب الهند انتقلت بتوسط الفرس إلى المسلمين، وكتب اليونان انتقلت بتوسط الروم. إلى المسلمين، فظهرت الملاحدة الباطنية الذين ركبوا مذهبهم من قول المجوس واليونان مع ما أظهروه من التشيع" (?).ومما تقدم يعلم أن بدعة المرجئة ظهرت في أواخر عصر الصحابة، وتأكيدا لذلك يقول شيخ الإسلام: "ثم في أواخر عصر الصحابة حدثت القدرية في آخر عصرابن عمر وابن عباس وجابر وأمثالهم من الصحابة، وحدثت المرجئة قريبا من ذلك، وأما الجهمية فإنما حدثوا في عصر التابعين بعد موت عمر ابن عبدالعزيز" (?).
ويقول: "ثم في آخر عصر الصحابة حدثت القدرية، وتكلم فيها من بقي من الصحابة كابن عمر، وابن عباس، وواثلة بن الأسقع، وغيرهم. وحدثت أيضا بدعة المرجئة في الإيمان، والآثار عن الصحابة ثابتة بمخالفتهم، وأنهم قالوا الإيمان يزيد وينقص كما ثبت ذلك عن الصحابة" (?).
فبدعة الإرجاء ظهرت في أواخر عصر الصحابة، وقد بين شيخ الإسلام في موضع آخر متى كان عصر أواخر الصحابة، إذ يقول: "فإن الاعتبار في القرون الثلاثة بجمهور أهل القرن، وهم وسطه.
وجمهور الصحابة انقرضوا بانقراض خلافة الخلفاء الأربعة، حتى إنه لم يكن بقي من أهل بدر إلا نفر قليل.