المبحث العاشر: الرد على الماتريدية في تفسيرهم لصفة "الألوهية" "بصفة" "الربوبية"

سبق آنفاً أن الماتريدية فسروا صفة "الألوهية" بصفة "الربوبية".

فعطلوا هذه الصفة العظيمة وحرفوا نصوصها.

ولنا عدة مؤاخذات على مذهبهم هنا نذكر منها ما يلي:

المؤاخذة الأولى: أننا ذكرنا شهادة الإمام أبي حنيفة وشهادة ثمانية من كبار الماتريدية على أن تفسير صفة بأخرى - كتفسير "اليد" بالقدرة، أو النعمة مثلاً تعطيل وإبطال لها وأن هذا مذهب الجهمية.

وهذه الشهادات من هؤلاء الأئمة للحنفية تكفي لإبطال مذهبهم في صفة "الألوهية" لما في طيه تعطيل وتحريف وإبطال وضلال وتخريف.

المؤاخذة الثانية: أن تفسير "الألوهية" بالربوبية أو الخالفية المالكية وكذا تفسير "الإله" بالصانع المخترع الخالق المالك -

باطل لغة واصطلاحاً، فلغة العرب واصطلاحهم يقضيان على ذلك.

ولغة القرآن الكريم ترده رداً صريحاً. فحمل نصوص صفة "الألوهية" مع تلك الكثرة الكاثرة على صفة "الربوبية" تحريف واضح وتخريف فاضح، حتى باعتراف الكوثري مجدد الماتريدية؛ فقد صرح الكوثري بأن حمل النصوص والآثار على المصطلحات المستحدثة بعد عهد التنزيل بدهور بعيدٌ من تخاطب العرب وتفاهم السلف، واللسان العربي المبين، ومن زعم ذلك فقد زاغ من منهج الكتاب والسنة، وتنكب سبيل السلف الصالح، ونابذ لغة التخاطب، وهجر طريقة أهل النقد ... " (?).

قلتُ: لقد صدق الكوثري - والكذوب قد يصدق -

ولكن قد يكون صدق الكذوب له.

ولكن صدق الكوثري ههنا عليه وعلى جماعته الماتريدية حيث فسروا "الألوهية" بالربوبية والخالقية والمالكية.

فوقعوا في التعطيل والتحريف، وزاغوا عن منهج الكتاب والسنة وتنكبوا سبيل السلف الصالح ونابذوا تخاطب العرب، وتفاهم السلف واللسان، العربي المبين.

حتى بشهادة هذا الكوثري الذي يبالغون ويغالون فيه بما لا يخطر بالبال ليقلبوا الحقائق بهذا الغلو والضلال والإضلال.

وبعد هذا نقدم نماذج من لغة العرب واصطلاحهم ولاسيما لغة القرآن في مفهوم "الألوهية" ليعلم القراء صدق ما قلنا من أن "الألوهية" و"الربوبية" مفهومان متغايران لغة واصطلاحاً.

أما لغة: فالإله: فعال، بمعنى مألوه، أي: معبود، كإمام بمعنى مؤتم به وأله إلهة عبد عبادة، والتأليه: التعبيد، والآلهة: المعبودون، من الأصنام وغيرها، والاله: التعبّد؛ قال رؤبة بن العجاج:

لله در الغانيات المدة ... سبحن واسترجعن من تألهي (?)

وأما اصطلاحاً: فمعنى "الألوهية" و"الإله" لا يختلف عن معناهما في اللغة: فالإله عند العرب الأولين: اسم لكل معبود يشمل الإله الحق وهو الله تعالى، والآلهة الباطلة، كالأصنام والأوثان، وكل ما عبد من دون الله، بشراً كان أو ملكاً أو جناً، شمساً أو قمراً، حجراً أو شجراً، نوراً أو ناراً، قبراً أو غاراً، حياً، أو ميتاً عيناً أو معنىً وغير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015