لكن يجب أن يعلم أنه لا يلزم من ذلك أن الله تعالى يحب كل ما يقع؛ فالحب غير الإرادة وإلا كان لا فرق عند الله تعالى بين الطائع والعاصي وهذا ما صرح به بعض كبار القائلين بوحدة الوجود من أن كلا من الطائع والعاصي مطيع لله في إرادته، ومذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم على التفريق بين الإرادة والمحبة وإلى ذلك أشار صاحب قصيدة «بدء الأمالي» بقوله:

مريد الخير والشر القبيح ولكن ليس يرضى بالمحال.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ثم قالت القدرية: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك فيكون ما لم يشأ ويشاء ما لم يكن.

وقالت طائفة من (المثبتة): ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وإذن قد أراد الكفر والفسوق والعصيان ولم يرده ديناً أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن، فهو لذلك يحب الكفر والفسوق العصيان ولا يحبه دينا ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن؛ وكلا القولين خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها؛ فإنهم متفقون على أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا يكون شيء إلا بمشيئته ومجموعه على أنه لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر وأن الكفار {يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (النساء: 108).

"التعليق على متن الطحاوية" (ص16 - 18).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015