التي تعني مقدماً استحالة الوقوع! ولما قيل له: هذا أمر غيبي لا يجوز القول به إلا بدليل، بل هو مخالف لما دلت عليه قصة الإفك، وموقف الرسول وأبي بكر الصديق فيها، فإنه يدل دلالة صريحة أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يعتقد في عائشة العصمة المذكورة، كيف وهو يقول لها: إنما أنت من بنات آدم، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ... الحديث: فأجاب بأن ذلك كان من قبل نزول آية الأحزاب 33: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}! جاهلاً أو متجاهلاً أن الآية المذكورة نزلت قبل قصة الإفك، بدليل قول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن صفوان بن المعطل السلمي: " فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب"، وفيه أنها احتجبت منه.
ودليل آخر، وهو ما بينه الحافظ رحمه الله بقوله (8/ 351): " ولا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بزينب بنت جحش، وفي حديث الإفك: أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سأل زينب عنها. فثبت أن الحجاب كان قبل قصة الإفك ".
ثم اشتدت المجادلة بينهما في ذلك حتى أرسل إليّ أحد الإخوان الغيورين الحريصين على وحدة الصف خطاباً يشرح لي الأمر، ويستعجلني بالسفر إليهم، قبل أن يتفاقم الأمر، وينفرط عقد الجماعة, فسافرت بالطائرة - ولأول مرة - إلى حلب، ومعي اثنان من الإخوان، وأتينا الرجل في منزله، واقترحت عليهما أن يكون الغداء عنده تألفاً له، فاستحسنا ذلك, وبعد الغداء بدأنا بمناقشته فيما أحدثه من القول، واستمر النقاش معه إلى ما بعد صلاة العشاء، ولكن عبثاً، فقد كان مستسلماً لرأيه، شأنه في ذلك شأن المتعصبة الذين يدافعون عن آرائهم دون أي اهتمام للأدلة المخالفة لهم، بل لقد زاد هذا عليهم.
فصرح في المجلس بتكفير من يخالفه في قوله المذكور، إلا أنه تنازل