كان موقف النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في القصة موقف المتريث المترقب نزول الوحي القاطع للشك في ذلك الذي ينبئ عنه قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حديث الترجمة: «إنما أنت من بنات آدم، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله .. »، ولذلك قال الحافظ في صدد بيان ما في الحديث من الفوائد: " وفيه أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي, نبه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ", يعني أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يقطع ببراءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي, ففيه إشعار قوي بأن الأمر في حد نفسه ممكن الوقوع، وهو ما يدندن حوله كل حوادث القصة وكلام الشراح عليها.
ولا ينافي ذلك قول الحافظ ابن كثير (8/ 418) في تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِين} (التحريم:10). " وليس المراد بقوله: {فخانتاهما} في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور ".
وقال هناك (6/ 81): " ثم قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيم}، أي: تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين، وتحسبون ذلك يسيراً سهلاً، ولو لم تكن زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما كان هيناً، فكيف وهي زوجة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة نبيه ورسوله ما قيل، فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا، وهو سبحانه لا يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك، حاشا وكلا، ولما لم يكن ذلك، فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء زوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ