الدعاة الذين يلتقون معنا في الدعوة إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، أن الأمر ليس بهذه السهولة التي يدعيها بعضهم، والسبب في هذا ما سبق بيانه مني من الفرق بين جاهلية المشركين الأولين حينما يدعون أن يقولوا: لا إله إلا الله فيأبون؛ لأنهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيبة، وبين المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقول هذه الكلمة لكنهم يأبون معناها الصحيح، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة، عقيدة علو الله عز وجل على مخلوقاته كلها، فهذا يحتاج إلى بيان، ولا يكفي أن يعتقد المسلم فقط معنى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، ومعنى: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»، دون أن يعرف أن في هنا «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» في هذه الظرفية في هذا الحديث هي كـ "في" في قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16) أي: من على السماء، حتى إذا جاء ذلك المعتزلي أو الأشعري ووسوس إليه وقال له: أنتم تجعلون ربكم في ظرف في السماء، فيكون الجواب عنده: لا لا منافاة بين قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (طه:5)، وبين قوله: {أَأَمِنتُمْ مَنْ في السَّمَاءِ} (الملك:16)؛ لأن «في» هنا بمعنى «على» هناك، والدليل كثير وكثير جداً، من هذا الحديث المتداول على ألسنة الناس، وهو بمجموع طرقه والحمد لله حديث صحيح: «ارحموا من في الأرض» لا يعني الحشرات والديدان التي هي في الأرض، وإنما من على الأرض من الإنسان والحيوان، «يرحمكم من في السماء» أي من على السماء، فمثل هذا التفصيل لا بد أن يكون المستجيبون لدعوة الحق على بينة من الأمر.
ويُقرِّب لكم هذا أن تتذكروا حديث الجارية وهي راعية غنم كما تعلمون، حينما سألها الرسول عليه السلام، وأنتم إن شاء الله ذاكرون الحديث، وإنما أذكر