{وَمَا كَادُوا}: ما قاربوا، {يَفْعَلُونَ}: يذبحون. والمعنى: لم يقربوا من ذبح البقرة المأمور بها في أول الأمر؛ إذ تعسر عليهم تحصيلها، وصار بعيداً من أن تناله أيديهم، ثم اهتدوا إليها بعد ذلك التعسر، فذبحوها.

{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا}:

النفس: الشخص. وادارأتم: أصله تدارأتم، ثم أدغمت التاء بعد إسكانها في الدال، وأتى بهمزة الوصل ليتوصل بها إلى النطق بالساكن، فصار ادّارأتم.

ومعنى ادارأتم: تدافعتم؛ أي: اختلفتم وتنازعتم؛ لأن المتنازعين يدرأ بعضهم بعضاً؛ أي: يدفعه.

والنفس: الروح، وترد بمعنى: الشخص، ويؤتى بالضمير العائد إليها مؤنثاً، ولهذا قال: {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا}.

وهذه الآية خطاب لبني إسرائيل المعاصرين للنبي - صلى الله عليه وسلم -، جرى على الأسلوب المعروف في مخاطبات الأقوام؛ إذ ينسب إلى الأخلاف ما فعل أسلافهم؛ اعتماداً على القرينة القائمة على أن الفعل صادر من الأسلاف. ويستعمل هذا الأسلوب عند القصد إلى ذم المخاطبين، والتنبيه على أنهم ليسوا من أسلافهم في الانحراف عن سبيل الرشد ببعيد.

وهذه الواقعة، واقعة قتل النفس وتنازعهم فيها، جرت قبل أمرهم بذبح البقرة، وإن وردت في الذكر بعده، وقد نبهنا على أن تقديم الأمر بذبح البقرة في الذكر مجرداً عن الإشعار بواقعة أمر القتل؛ لتتشوف نفس السامع إلى ماذا يقصد من ذبحها، فيقع عند ذكره موقع ما تهتم به، شأن ما تتلقاه عند استشرافها إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015