فالحسنات بدل، والسيئات مبدل منه. واقتضى مقام الإيجاز في الآية أن يقتصر فيها على ذكر البدل، وهو القول الذي لم يُقل لهم، ويحذف المبدل منه، وهو القول الذي قيل لهم. ومعنى الآية بعد ملاحظة المبدل منه المقدر: فبدل الذي ظلموا بالقول الذي أمرهم الله به قولاً آخر أتوا به على وجه العناد أو الاستهزاء.

والآية تدل بظاهرها على انقسامهم إلى ظالمين وغير ظالمين، وأن الذين بدلوا هم فريق الظالمين منهم.

ومأخذ العبرة من الآية: أن من أمره الله بان يقول قولاً، فترك القول الذي أمر به، وأتى بقول آخر مكانه، يدخل في قبيل الظالمين، ويتعرض بنفسه لأن يصيبه عذاب أليم. ومِثْلُ القول في مجرى القياس الصحيح: الفعلُ، فمن أمره الله بأن يفعل شيئاً، فترك الفعل الذي أمر به، ووضع مكانه فعلاً لم يأذن به الله، عُدّ ظالماً، واستحق العذاب الذي وعد الله بأن يصبه على رؤوس الظالمين. وكلا المغيرّين لما أمر الله به من قول أو فعل ضالّ مستحق لأن يكون مصيره سوء العذاب؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته كما ورد في "صحيح مسلم": "فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهَدْي هَدْي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"، وفي رواية النسائي: "وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في النار".

{فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}:

الرجز: العذاب. ولم يبين القرآن نوع هذا الرجز؛ إذ لم يدْع الحال إلى بيانه. والفسوق في أصل اللغة: الخروج، يقال: فسقت الرطبة عن القشر: إذا خرجت منه. وفي لسان الشارع: الخروج عن طريق الحق بكفر أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015