لو تفكَّرْنا في سلوكِ الحيوانِ لوجَدْنا العجبَ العُجابَ، وإضافةً إلى سَمَكِ السَّلمون هناك ثعابينُ البحارِ، والطيورُ في السماءِ، مَن يسيِّرها؟ مَن يعطِيها هذه القدرةَ على معرفةِ أهدافِها ليلاً أو نهاراً، مهما ضلَّلها الإنسانُ، فلا بد أنْ تَصِلَ إلى هدفِها.
ثمة نوع من الأسماك يسمَّى السَّمَكَ الهلاميَّ، وقد غزا بالملايينِ شواطىءَ فرنسة وإيطالية واليونانَ منذ فترة قريبةٍ، وحوَّلها إلى أرضٍ شائكةٍ شبيهةٍ بِغاباتٍ من الثعابين، ثمّة سابحٌ أشْرَفَ على الموتِ، كان يسبحُ بعيداً عن الشاطئ الصّخري قُرْبَ (أثنيا) ، قال: شعرتُ فجأةً بألَمٍ شديدٍ في ساقِي، كالألَمِ الذي تُحدثُه لسْعةُ مِكواةٍ حاميةٍ، وبعد ربْعِ ساعةٍ شعرتُ بما يُشبهُ وَخْزَ الدبابيسِ في رأسِي، ثمّ أُغْمِيَ عليَّ، وحينما أُسعِفتُ، وفحَصَني الطبيبُ، وجدَ ضغطِي يُقاربُ الصّفرَ! وقد قدّرَ بعضُ العلماءِ أنّ عددَ السّمكِ الهلاميِّ في الأماكنِ التي يغزوها يزيدُ على خمسٍ وعشرين سمكةً في المترِ المكعّبِ الواحدِ، وأنّ سِرباً طولُه مترانِ يحوي عدداً كبيراً من هذا السّمكِ، ويتّفقُ علماءُ الحياةِ على أنْ ليس لهذا السّمكِ منطقٌ واضحٌ في تحرُّكاتِه لماذا غزا هذه الشواطئ؟ لا نعلم.. هل هناك قاعدةٌ؟ لا نعلم، وهل هناك دوراتٌ ثابتةٌ؟ لا نعلم، والسّمكُ الهلاميُّ أنواعٌ تزيدُ على الألفِ، يبلغُ قطْرُ بعضِها مترَيْنِ، ولسْعةُ السّمكِ الهلاميِّ الأستراليِّ تؤدِّي إلى الموتِ في غُصونِ دقائقَ، ليس لهذا السّمكِ الهلاميِّ أعْيُنٌ ولا آذانٌ، ولا أدمغةٌ، أجسامُها شفّافةٌ، تبدو رقيقةً ناعمةً انسيابيّةً، الماءُ فيها ثمانيةٌ وتسعون بالمئة، تتجلّى من جسمِها مجسّاتٌ سامّةٌ دقيقةٌ، مثلُ الخيوطِ، يصْعبُ رؤيتُها، والمجسّاتُ هذه قابلةٌ للتمدّدِ نحوَ ثمانين سنتمتراً، لأنّها مخزونةٌ في حقبٍ على شكلِ نوابضَ! فما إن يَلمسُ هذا السّمكُ الهلاميُّ جسداً حتى تنطلقَ ملايينُ الخيوطِ من أعقِلَتِها لِتَنفثَ السمَّ في جسمِ ضحيّتِها.