هذه الأسماكُ تُولَدُ في رؤوسِ الأنهارِ في أمريكة (منابعِ الأنهارِ) وتهاجرُ مِن هذه المنافع إلى مصبَّاتِها، ومن مصبَّاتِها إلى نهايةِ المحيطِ الأطلسي، إلى سواحلِ فرنسة، ثم تعودُ من سواحلِ فرنسة إلى مصبَّاتِ هذه الأنهارِ، وإلى مكانِ ولادتِها، لا تظنَّ أنَّ هذا كلامٌ، فإنّ في هذا بحوثاً استغرقتْ عشراتِ السنين، وهناك مركزُ بحوثٍ وُضِعَ في بعضِ الأنهارِ، أَحْصَى مليوني سمكةٍ من نوعِ السلمونِ تعودُ إلى مسقطِ رأسِها كلَّ يومٍ، ولمدةِ شهرين، وكان بعضُ العلماءِ قد وَضَعَ عليه قطعةً معدنيةً فيها تاريخُ هجْرتِه، فلما عادَ عرفوا مدةَ الرحلةِ، أمّا السؤالُ الكبيرُ الذي يحيِّر العقولُ: كيف رجعَ هذا السمكُ من المحيطِ الأطلسيِّ إلى مصبِّ النهر ثم إلى منبعِه؟ لو أتينا بأحدِ علماءِ البحارِ، وأركبْنَاه قارباً، وله عينانِ مبصرتانِ، وقلنا له: اتَّجِهْ، وأنت على سواحلِ فرنسا إلى مصبِّ الأمازون، فهذا الإنسانُ العاقلُ المفكِّرُ، لو كان عالماً كبيراً في علمِ البحارِ لا يستطيعُ أنْ يصلَ إلا بالخرائطِ، والإحداثياتِ، والاتصالاتِ اللاسلكيةِ، وعناءٍ، وأشياءَ كثيرةٍ، أمّا السمكةُ في باطنِ البحر وأعماقِه فلو أنها حادَتْ في زاويةِ انطلاقِها درجةً واحدةً لَجَاءَتْ في نهرٍ آخرَ، لو أنها حادَتْ ثلاثَ درجاتِ لتغيَّرَ مكانُ اتِّجاهِها من أمريكة الشماليةِ إلى الجنوبيةِ، فكيف تستطيعُ هذه السمكةُ، وهي لم تُؤْتَ ما أوتيَ الإنسانُ أنْ تعودَ من سواحلِ فرنسة إلى مصبِّ النهرِ الذي خرجتْ منه، ثم تتابعُ سيْرَها في النهرِ نفسِه، وقد تصعدُ الشلالَ، وهناك صورٌ دقيقةٌ أُخِذَتْ لسمكِ السلمونِ، وهو يصعدُ الشَّلالَ ليعودَ إلى مسقطِ رأسِه، فتُولَدُ وتموتُ هناك، من سَيَّرَها؟ قال تعالى: {قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى} [طه: 50] ، وقال سبحانه: {سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى * الذي خَلَقَ فسوى * والذي قَدَّرَ فهدى} [الأعلى: 1-3] .