الموضوعُ معقَّدٌ جداً، لكن على سبيلِ التبسيطِ حينما تَكبرُ النجومُ تنكمشُ، وتزولُ الفراغاتُ البَيْنِيَّةُ بين ذراتها، إلى أنْ تصبحَ بحجمٍ صغيرٍ جداً، ووزنٍ ثقيلٍ، فهي كُرَةٌ ككرةِ القَدَمِ، وهذه النجومُ النيترونيةُ المنكمشةُ يَعْدِلُ وزنُها خمسينَ ألفَ بليونٍ مِنَ الأطنانِ، فإذا وُضِعَتْ هذه الكرةُ على الأرض ثَقَبَتْها، ووصلتُ إلى طَرَفِها الآخرِ، كما لو أتيتَ بقطنٍ أو بسائلٍ هلامِيّ، ووَضَعْتَ فيه كرةَ حديدٍ فإنّها تسقطُ إلى الأسفلِ فوراً، وهذا هو النجمُ الثاقبُ، النجمُ النيترونيّ الذي ضُغِطَ حتى أصبحَ بحجمِ الكرةِ، وله وزنٌ يعدِلُ وزنَ الأرضِ، فلو أنّ الأرضَ شاختَ - بلغت الشيخوخةَ - فإنها تصبحُ بحجمِ البيضةِ، بالوزن نفسِه، ووزنُ الأرضِ هو هوَ، لكنه يصبح بحجم بيضة، هذا هو النجمُ الثاقبُ كما يَرى بعضُ العلماء، والقرآنُ حمَّالُ أَوْجُهٍ.
ثم إنّ هناك تلسكوباتٍ لاسلكيةً تَلَقَّتْ وَمضاتٍ لاسلكيةً مِن هذه النجومِ، (نبضات نوبية) ، وكأنّ هذا النجمَ يطرقُ بابَ الفضاءِ، حيث يتزايدُ تواترُ النبضاتِ النوبيةِ في شبابِه، ويَقِلُّ تواتُرها في شيخوخته، ونعرفُ مِن خلالِ تَوَاتُرِ النبضاتِ التي تأتي عن طريقِ التلسكوباتِ اللاسلكيةِ عمُرَ هذا النجمِ، فنجمٌ يطرق، ونجمٌ يثقبُ، وهذا شيءٌ مِن أحدثِ البحوثِ الفَلَكيةِ.
قال تعالى: {والسمآء والطارق * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق * النجم الثاقب} ، هذا قَسَمٌ، فأين جواب القسم؟ قال تعالى: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، كلُّ حركاتِك وسكناتِك، وكلُّ أقوالِك وأفعالِك، وكلُّ تمنياتِك، وكلُّ بواعثِك، وكلُّ آمالِك، وكلُّ ما أخفيتَه عن الناسِ يحفظُه اللهُ لك، وسيحاسِبُك عليه، لأنّ الذي خَلَقَ النجمَ الثاقبَ، النجمَ الطارقَ، والنجمَ إذا هوى، هو الذي سيحاسبك على عملك.
{والسمآء والطارق * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق * النجم الثاقب * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} ، لم يَغِب عن عِلْمِه نجمٌ في السماء، فهل يغيبُ عنه شيءٌ في الأرضِ.