إنّه شيءٌ أغربُ من الخيالِ، إذا وُجِدَ الإنسانُ في جوٍّ درجتُه أربعون مئوية، ما الذي يحصلُ في جسدِه؟ قال بعضُ العلماءِ: "إنّ هناك مئتي ألفِ جُسَيْمٍ منتشرٍ في أنحاءِ الجلدِ، فإذا ارتفعتِ الحرارةُ في الجوِّ المحيطِ عن الحدِّ المعقولِ أرسلتْ هذه الجسيماتُ إشاراتٍ عصبيةً تنقلُها الأليافُ العصبيةُ إلى المخِّ، الذي يصدرُ أمراً بتوسيعِ الشرايينِ الدقيقةِ في كلِّ أنحاءِ الجسمِ، فإذا ارتفعتْ حرارةُ الجوِّ يتورَّدُ الإنسانُ، ويميلُ لونُه إلى الحمرةِ، ويصبحُ أزهرَ اللونِ".
ما من رجلٍ ولا امرأةٍ، ولا صغيرٍ ولا كبيرٍ؛ إلاّ وفي شرايينِه وأوردتِه دمٌ يجري، وربما لا يعرفُ الإنسانُ ما هذا الدمُ؟ وما تركيبُه؟ وما حجمُه؟ وما أسرارُه؟ فإذا عرَفَ شيئاً عن حقيقةِ الدمِ الذي يجري في عروقِه خَشَعَ قلبُه، وخرَّ للهِ ساجداً.
مَن منّا يصدق أن في جسمِ كلٍّ منا ما يزيدُ على خمسةٍ وعشرينَ مليونَ مليونِ كريةٍ حمراءَ، كجزءٍ أساسيٍّ في دمائِنا، وتجري في شرايينِنا، وأوردتِنا، وأنّ تعدادَ الكرياتِ في الميليمترِ المكعّب لا يقلُّ عن خمسةِ ملايينِ.
يَصِفون الكريةَ الحمراءَ بأنها حمَّالٌ لا يعرفُ التعبَ، تحملُ الأوكسجينَ إلى الخلايا، والأنسجةِ، والأجهزةِ، والأعضاءِ، وإلى كلِّ مكانٍ في الإنسانِ، وتعودُ بنتائجِ الاحتراقِ، تطرحُ غازَ الفحمِ، فهي حمَّالٌ لا يعرفُ التعبَ، ولا الكللَ، ولا السأمَ، تجولُ هذه الكرياتُ في الجسمِ ألفاً وخمسمئةِ جولةٍ في اليومِ الواحدِ.
وعمرُ هذه الكريةِ يزيدُ على مئةٍ وعشرين يوماً، وبعْدَها تموتُ، تقطعُ في هذا العمرِ ما يزيدُ على ألفٍ ومئةٍ وخمسين كيلو متراً في جسمِ الإنسانِ، وتنقلُ ما يزيدُ على ستمئةِ لترٍ مِن الأوكسجين، وقُطْرُها لا يزيد على سبعة ميكروناتٍ.