إنّ المثانةَ زوَّدَها اللهُ بأعصابٍ متوَضِّعةٍ في جُدرانِها، فإذا امتلأتْ تَنبَّهَتِ الأعصابُ، وأرسلتْ إلى النخاعِ الشوكيِّ رسالةً أنّها قد امتلأتْ، والنخاعُ الشوكيُّ يُرسلُ بدورِه أمراً إلى عضلاتِ المثانةِ فتتقلَّصُ، ويأتي أمرٌ ثانٍ إلى فتْحتِها السفلَى، فتسْترخِي العضلةُ التي تُحكمُ إغلاقَها، وتنفتِحُ، ولكنّ صنعَ اللهِ سبحانه وتعالى فيه حكمةٌ ما بعْدَها حكمةٌ، إنّ هذه العضلاتِ التي قد أَمَرَها النخاعُ الشوكيّ أنْ تتقلّصَ، وأنْ تسترخيَ، لا تنفّذُ الأمرَ إلا بعدَ أن تأتيَ إشارةٌ من الدّماغِ أنْ نفِّذوا هذا الأمرَ، كما أنّ الحُكْمَ لا يُصدّقُ إلا إذا وُقِّعَ من المراجعِ العليا، فلو أنّك في موطنٍ حسّاسٍ، وفي اجتماعٍ مهمٍّ، وامتلأتِ المثانةُ، وجاءَ الأمرُ من النخاعِ الشوكيِّ، ونُفِّذَ الأمرُ أين مكانتُك؟ أين شخصيّتُك؟ أين شأنُك؟ إلا أنّ هناك أمراً عجيباً، لو أنّ الدّماغَ لم يوافقْ، واستمرَّ على عدمِ الموافقةِ إلى درجةِ أنّ البولَ بدأَ يدخلُ من الحالبين ليصلَ إلى الكليتَين، عندها يحدثُ خطرُ تسمّمِ الدمِ كلِّه! عندئذٍ لا ينتظرُ النخاعُ الشوكيُّ موافقة الدّماغِ، بل يأمرُ عضلاتِ المثانةِ فتتقلّصُ، ويأمرُ عضلةَ الفتحةِ السّفليّةِ فتسترخي، ويخرجُ البولُ، وهذا حفاظاً على صحّةِ الإنسانِ، ما هذا الإبداعُ؟ كيف تكونُ حياتُنا بلا مثانةٍ؟ في كلّ عشرين ثانية تنزلُ من الكليتين قطرتان، هذا المستودعُ الذي يتّسعُ لما يزيد على لترٍ ونصفٍ تستطيعُ أن تركبَ سيارةً خمسَ ساعاتٍ، وسبعَ ساعاتٍ، وأنت في أوْجِ راحتِك، وتمامَ شخصيتِك، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون} [الطور: 35] .
مَن الذي خَلَقَ هذا الجهازَ؟ إنه اللهُ جلَّ جلالُه.
إن الكونَ أوْسَعَ بابٍ إلى اللهِ عز وجل، فادخُلُوا منه، وأبوابُه مفتوحةٌ على مصارِيعِها.
يقولُ اللهُ عز وجل في كتابِه: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السماوات والأرض واختلاف أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ} [الروم: 22] .