هذا العطشُ الشديدُ يدعوك إلى أنْ تشربَ ماءً كثيراً، هذا الماءُ ينتقلُ بوقتٍ خياليٍّ من المعدةِ إلى الدمِ من أجلِ أن يَنْحلَّ الملحُ الزائدُ، فإذا انحلَّ الملحُ الزائدُ جاءَ أمرٌ معاكِسٌ للكليةِ بطرحِ كلِّ الماءِ الزائدِ فيها، عندئذ يُحَلُّ الملحُ في هذا الماءِ الزائِد، ويُطرحُ خارجَ الكليةِ، وأنتَ لا تدري، أنتَ أكلتَ أكلةً مالحةً، واستمتعتَ بها، والباقي تقومُ به هذه الأجهزةُ الدقيقةُ التي لا يعلمُ دقَّتَها إلا اللهُ عز وجل.
كلُّ جهازٍ في الإنسانِ، وكلُّ عضوٍ فيه، وكلُّ حاسةٍ فيه لو وَقَفْنَا على تفاصيلِها لَدهِشنَا، ولأخَذَنَا العجبُ العجابُ، كلُّ هذه الدقةِ، والعبدُ في غفلةٍ عن اللهِ عز وجل!
أتحسبُ أنك جرمٌ صغيرٌ ... وفيك انطوى العالَمُ الأكبرُ
يجبُ أن تعلمَ أنّ كأسَ الماءِ الذي تشربُه، والذي تطرحُه يمرُّ عبرَ أجهزةٍ بالغةِ الدقّةِ، يَحَارُ العقلُ في فهمِها قبلَ أنْ يعرفَ طريقةَ عملِها، قال تعالى: {صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] .