في الدِّماغِ شيءٌ يُسَمَّى القِشْرةَ المخيّةََ، سُمِّيَتْ كذلك لأنّها قِشْرةٌ فِعلاً، لا يزيدُ سمكُها على مليمترين، هذه القشرةُ المخيّةُ فيها أربعةَ عشرَ مليارَ خليّةٍ، مُرتَّبةً في سِتِّ طبقاتٍ متوالِيَةٍ، لا يزيدُ وزْنُها الكليُّ على مئةِ غرامٍ، تبْدو معرّجةً نتيجةَ ترتيبِها على هذا الشكلِ، حيثُ تُسمّى التلافيفَ، من أجلِ أنْ تقلَّ المساحاتُ.
مِمَّا يَلْفِتُ النَّظَرَ أنّ في هذه القِشْرةِ أليافاً عصبيّةً يزيدُ طولُها على ألفِ كيلو مترٍ!!! هذه الطبقةُ الرقيقةُ جدّاً تتحكّمُ في أخْطَرِ الوظائفِ، بل تُحَدّدُ سُلوكَ الفردِ وميُولَهُ، وتُعينُهُ على النّطقِ والبيانِ، وتُعينُهُ على التّعلمِ، والحِفظِ، والتذكّرِ، والإبداعِ، والاختراعِ، والتدبيرِ، وتُعينُهُ على الإحساسِ، والتحرّكِ، والسّمعِ، والبصرِ، ويقدِّرُ العلماءُ أنّ في هذه القشْرَةِ من خمسينَ إلى مئةِ مركزٍ، هذا الذي عُرِفَ حتى الآن؛ مركزُ السَّمعِ، ومركزُ البصرِ، ومركزُ التذكّرِ، ومركزُ المحاكمةِ، ومركزُ الحركةِ، وتتحكَّمُ في أخْطَرِ الوظائفِ، في الإحساسِ، وتلقِّي الأحاسيسِ الخارجيّةِ، وفي الحركةِ، وكما قيل:
أتَحْسبُ أنَّك جِرْمٌ صغيرٌ ... وفيك انْطَوى العالَمُ الأكبرُ
أمّا خلايا الدّماغِ فتزيدُ على مئةٍ وأربعين مليارَ خليّةٍ اسْتِنادِيَّةٍ، لمْ تُعْرَفُ وظيفتُها بعْدُ، وربّما يقال: إنَّ الدِّماغَ هو أعْقَدُ ما في الإنسانِ، بل هو أعقَدُ ما في الكونِِ، وقد قيلَ: إنّ الدِّماغَ بإمكانِهِ أن يسْتَوْعِبَ من المعلوماتِ بِعَددِ ذرّاتِ الكونِ، وإنَّ أكْبرَ العباقرةِ، وأكبرَ المخترعين لم يستخدمْ مِن دماغِهِ إلا الجزءَ اليسيرَ، فهذا الدِّماغُ إذا عطَّلْناهُ، أو أَسَأْنَا اسْتخدامَهُ، لم يكن كما أراده خالقُه أداةَ معرفةِ اللهِ عز وجل، أداةً توصِلُنا إلى السلامةِ في الدنيا، والسعادةِ في الآخرةِ، عندئذٍ كم تكونُ الخسارةُ عظيمةً حينما نُعَطِّلُ عقولَنا، ونَنْساقُ وراءَ شهواتِنا.