لولا المخيخُ لَمَا أمكنكَ أنْ تركبَ الدّراجةَ، لأنه بمجردِ أن تميلَ مسافةً يسيرةً، يأتي الأمرُ من الدماغِ بتعديلِ حركةِ المقودِ، ليستعيدَ التوازنَ، هذه مِن آياتِ اللهِ الكبرى.
وقد قالَ بعضُ العلماءِ: "إنّ الدماغَ أعظمُ كائنٍ على وجهِ الأرضِ، وهو مسؤولٌ عن الحركاتِ الذهنيةِ؛ عن التفكيرِ، عن المحاكمةِ، وأمّا المخيخُ فهو مسؤولٌ عن الحركاتِ العضليةِ".
إنّ ثباتَ شخصيةِ الإنسانِ نعمةٌ لا تُقدّرُ بثمنٍ، وقلَّ مَن ينتبهُ إليها، ذلك أنّ خلايا الجسمِ، الخلايا العظميةَ، والنسجَ، والعضلاتِ، والأجهزةَ، حتى الشعرَ، وأيّةَ خليةٍ في الجسمِ تتبدّلُ مِن خمسٍ إلى سبعِ سنواتٍ، فأنت بعدَ سبعِ سنواتٍ إنسانٌ آخرُ، ليس في جسمِك خليةٌ واحدةٌ قديمةٌ، فعظمُك يتبدّلُ، وجلدُك يتبدّلُ، وشَعرُك يتبدّلُ، وأقْصرُ عمرِ خليةٍ في جسمِ الإنسانِ خليةُ بطانةِ الأمعاءِ، الزغابات تتبدّلُ كل ثمانٍ وأربعين ساعةً، أي في كلِّ ثمانٍ وأربعين ساعةً هناك زغاباتٌ جديدةٌ، وأَطْولُ هذه الخلايا تعيشُ سبعَ سنواتٍ، أو خمسَ سنواتٍ، معنى ذلك أنك تتبدَلُ تبدُّلاً جذرياً كلّ سبعِ سنينَ على أرجحِ الأقوالِ، فإذا تبدّلَ دماغُك نسيتَ اختصاصَك، ونسيتَ حِرفَتَك، ونسيتَ معارِفَك، ونسيتَ أولادَك، ونسيتَ خبراتِك، ونسيتَ ذكرياتِك، ونسيتَ سببَ رزقِك، ولا تعرفُ مَن هي زوجتُك، ولا مَن هم أولادُك، فلحكمةٍ بالغةٍ بَالغةٍ لا تتبدّلُ خلايا الدماغِ، لأنها لو تبدَّلتْ لكانت مصيبةً كبرى، ويقول الإنسانُ عندها: واللهِ كنتُ طبيباً فَفَقَدْتُ اختصاصي، وكنتُ مهندساً، وكنتُ خطيباً، كنتُ تاجراً، لو أنّ هذا التبدُّلَ يقعُ في الدماغِ لَذَهَبَتْ شخصيةُ الإنسانِ، هناك نِعَمٌ لا تعدُّ ولا تُحصى، نحن عنها غافلون، قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السماوات والأرض يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: 105] ، وقال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106] .