وقالت فاطمة بنت عبد الملك -امرأة عمر بن عبد العزيز- لمغيرة بن حكيم: يا مغيرة، إنه يكون في الناس من هو أكثر صلاة وصيامًا من عمر، وما رأيت أحدًا قط أشد فرقًا من ربه من عمر، كان إذا صلى العشاء قعد في المسجد ثم يرفع يديه، فلم يزل يبكي حتى تغلبه عيناه، ثم ينتبه، فلم يزل رافعًا يديه يبكي حتى تغلبه عيناه.
وبكى يومًا فبكت فاطمة، فبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم العبر، قالت له فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين، ممن بكيت؟
قال: ذكرت يا فاطمة منصرف القوم بين يدي الله عز وجل؛ فريق في الجنة، وفريق في السعير، ثم صرخ وغشي عليه.
لما قدم أهل اليمن زمان أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وسمعوا القرآن جعلوا يبكون، فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب.
وهكذا عد الصديق قحط العينين وعدم جودهما بالبكاء من علامات قسوة القلب، ويصبح في قسوته كالحجارة أو أشد قسوة، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء، وإن منها لما يهبط من خشية الله.
عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال عن ربه: "وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي أمنين ولا خوفين، إن أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي" [رواه ابن حبان].
وعن أنس - رضي الله عنه - قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود، ولو أرسلت فيه السفن لجرت" [رواه ابن ماجه].
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يدني المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه فيُقره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟