يقول أحدهم: من كان يومه كأمسه فهو مغبون، ومن كان يومه شرا من أمسه فهو ملعون، ويقول ابن مسعود: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي! وقال آخر: كل يوم يمر بي لا أزداد فيه علمًا يقربني من الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم، وقال الشاعر:
إذا مر بي يوم ولم أقتبس هدى ... ولم أستفد علما فما ذاك من عمري
ما يدري هؤلاء المساكين أن من قتل وقته فقد قتل في الحقيقة نفسه، فهي جريمة انتحار ترتكب على مرأى ومسمع من الناس، ولا يعاقبهم عليها أحد، وكيف يعاقب عليها من لا يشعر بها ولا يدري مدى خطرها؟
الفراغ لا يبقى فراغا أبدا، فلابد أن يملأ بخير أو شر، ومن لم يشغل نفسه بالحق شغلته بالباطل، فطوبى لمن ملأه بالخير والصلاح! وويل لمن ملأه بالشر والفساد! ويقول بعض الصالحين: فراغ الوقت من الأشغال نعمة عظيمة، فإذا كفر العبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى وانجر في قيادة الشهوات، شوش الله عليه نعمة قلبه، وسلبه ما كان يجد من صفاء قلبه.
قال الشاعر:
ولا أؤخر شغل اليوم عن كسل ... إلى غد، إن يوم العاجزين غد!!
أمر القرآن الكريم باستباق الخيرات والمسارعة إليها {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 148] ويقول معقبا على أهل الكتاب وما أنزل عليهم: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [المائدة: 48] وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد: 21] وأثنى الله على بعض أنبيائه بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}