إن الإحساس بالوقت يلدغ الذين توهموا الخلود في الأرض وربطوا مصيرهم بترابها، ولكنه إحساس مخدوع مضلل لمن مرت به الأيام والشهور والدهور وغدا وراح، وتعب واستراح، ومع ذلك فهو في غفلة عن يومه وغده، ظل يعبث ويسترسل في عبثه حتى إذا استرخت أجفانه على عينيه، ودخل ظلام الموت تيقظ بعنف، وهيهات!! لقد صحا بعد فوات الأوان.
إن من الخداع أن يحسب المرء نفسه واقفا والزمن يسير، إنه خداع النظر كما يخيل لراكب القطار أن الأشياء تجري من حوله وهو جالس، والواقع أن الزمن يسير بالإنسان إلى مصيره المحتوم.
إن عمرك رأس مالك الضخم، ولسوف تسأل عن إنفاقك منه لقول رسول الله: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟ " [رواه الترمذي].
ومن الحكم التي تغيب عن بال الناس:" الواجبات أكثر من الأوقات" الزمن لا يقف محايدا فهو إما صديق ودود أو عدو لدود.
من المؤسف أن العوام لا يبالون بإضاعة أوقاتهم سدى ويضمون إلى هذه الجريمة السطو على أوقات الآخرين لإراقتها على التراب، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ" [رواه الترمذي].
ومن وسائل الإسلام لاستغلال الوقت الحث على مداومة العمل وإن كان قليلاً، وكراهيته للكثير المنقطع، وذلك أن استدامة العمل القليل مع اطراد الزمن وسيره المتواصل يجعل من التافه الضئيل زنة الجبال من حيث لا يشعر المرء.