قال: فهل خطر ببالك وانفتح في نفسك أن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء؟
قال: نعم.
قال: فذاك هو الله. (?)
يقول سيد قطب: لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتشدد مع أصحابه في أمر التلقي في شأن العقيدة والمنهج، بقدر ما كان يفسح لهم في الرأي والتجربة في شئون الحياة العملية المتروكة للتجربة والمعرفة كشئون الزرع، وخطط القتال، وأمثالها في المسائل العملية البحتة التي لا علاقة لها بالتصور الاعتقادي، ولا بالنظام الاجتماعي، ولا بالارتباطات الخاصة بتنظيم حياة الإنسان .. وفرق بين هذا وذلك بيِّنٌ، فمنهج الحياة شيء، والعلوم البحتة والتجربيية والتطبيقية شيء آخر.
والإسلام الذي جاء ليقود الحياة بمنهج الله، هو الإسلام الذي وجه العقل للمعرفة والانتفاع بكل إبداع مادي في نطاق منهجه للحياة.
روي الإمام أحمد قال: جاء عمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أني أمرت بأخ يهودي من بني قريظة، فكتب لي جوامع من التوراة. ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله، قال عبد الله بن ثابت: قلت له: ألا تري ما وجه رسول الله؟ قال عمر: رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً. قال: فسُري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسي عليه السلام ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين".
هؤلاء هم أهل الكتاب، وهذا هو هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التلقي عنهم في أي أمر يختص بالعقيدة والتصور، أو بالشريعة والمنهج .. ولا ضير -وفق روح الإسلام وتوجيهه- من الانتفاع بجهود البشر كلهم في غير هذا من العلوم البحتة علمًا وتطبيقًا .. مع ربطها بالمنهج الإيماني: من ناحية الشعور بها، وكونها من تسخير الله للإنسان. ومن ناحية توجيهها والانتفاع بها في خير البشرية، وتوفير الأمن لها والرخاء.