نصح الله قوم هود فأرشدهم إلى أسباب القوة الصحيحة، وكانوا عمالقة جبارين، فقال: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].
وأراد نبي الله أن يزين الطاعات للناس، وأن يغريهم بأدائها، وأن يشرح لهم عظمة الإنسان عندما يفعل الخير ويراغم الشيطان ويسمو إلى الملأ الأعلى.
من عناصر القوة أن يكون المسلم صريحا، يواجه الناس بقلب مفتوح ومبادئ معروفة، ولا يصانع على حساب الحق بما يغض من كرامته وكرامة أنصاره، بل يجعل قوته من قوة العقيدة التي يمثلها ويعيش لها، ولا يحيد عن هذه الصراحة أبدا في تقرير حقيقة ما.
وقد كره الإسلام أن يضعف الرجل أمام العصاة من الكبراء، وأن يناديهم بألفاظ التكريم، ومن فضائل القوة أن تكون قوى العزم للوصول إلى هدفك بالوسائل الصحيحة.
والتردد في الأمور من صفات الضعيف، وليس من خلق المسلم، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].
ولو شاء الله لهزمهم بالكلام وبحفنة من التراب كما فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض طبيعة الإيمان إذا تغلغل، إنه يضفي على صاحبه قوة تنطبع في سلوكه كله، إذا تكلم كان واثقا من قوله، وإذا اشتغل كان راسخا في عمله، وإذا اتجه كان واضحا في هدفه، وما دام مطمئنا إلى الفكرة التي تملأ عقله، وإلى العاطفة التي تغمر قلبه، فقلما يعرف التردد سبيلا إلى نفسه، وقلما تزحزحه العواصف العاتية عن موقفه، بل لا عليه أن يقول لمن حوله: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ