يقول الشيخ مخلوف: سيطر الذهول على نفسي تمامًا، ولم أفق إلا عندما قال الشاب: ما رأيك؟ استأذنت منه وذهبت إلى ابني الدكتور علي وابنتي زينب، والذهول ما زال مسيطرًا على نفسي .. لاحظ ولداي ذلك على الفور فسألاني: ما لك يا أبي؟ حصل إيه؟ أخبرتهما بالقصة، وفجأة وجدت نفسي أردد قائلاً: إنه صادق، إنه صادق، إنه صادق.

قلت لولديَّ: إنني متأكد أن هذا الشاب ليس من الشرطة أو من المباحث جاء ليختبرنا، بل إنني موقن أنه يقول الصدق فهو صادق .. وأضفت: إنني لا أستطيع أن أرد مستجيرًا في هذه المحنة، وأنا موقن أنه مظلوم، وقد قررت قبوله، ولكن الذي يقلقني هو ما ستفعله بكم أجهزة المباحث والدولة كلها إذا اكتشفوا وجوده بيننا، حيث هناك قانون أو فرمان جمهوري صدر في ذلك الوقت، يعاقب كل من يتستر على أي من الإخوان المطلوب القبض عليهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة، قال ابني علي -بعد فترة صمت-: افعل ما تراه من الناحية الإسلامية والله يتولانا جميعًا، ويضيف الشيخ مخلوف فيقول: خرجت مع ابني علي إلى الشهيد الصوابي، وعرفته بابني علي، وأخبرته بأننا قررنا قبوله عندنا، وأنه يشرفني. ذلك ارتسمت أمارات الراحة والطمأنينة على وجه الشهيد.

وسيطرت الدهشة على وجه الشهيد عندما قال له ابني الدكتور علي: لابد من أن تولد من الآن بشخصية جديدة وتدفن شخصيتك الحالية، ويضيف الدكتور علي مخلوف الذي يعمل رئيس قسم أمراض النساء والولادة بطب عين شمس: كان في اعتقادي أنه لا يمكن إخفاء الشهيد محمد الصوابي الديب، وبخاصة في منطقتنا التي كانت تشتهر بكثرة ضباط البوليس الذين يسكنونها فكان الحل أنه لابد أن يولد الشهيد الديب بشخصية جديدة تمامًا وأن أحسن طريقة لإخفاء أي شخصية هي أن تظهرها بشخصية جديدة، وتكون جميع تصرفاته طبيعية، أما الهروب والإخفاء عن أعين الشرطة والناس، فإنها طريقة فاشلة ينكشف أمرها دائمًا، عاجلاً أو آجلاً.

اتفقنا على أن يعمل الشهيد سكرتيرًا لوالدي الذي كان فعلاً في حاجة إلى سكرتير؛ فقد كان مفتيًا للديار المصرية في ذلك الوقت، وكانت ترد إليه استفسارات دينية كثيرة، بالإضافة إلى أنه يكثر من تأليف الكتب، واحترنا في الاسم الذي نطلقه عليه، وأخيرًا قال والدي للشهيد: أنت صادق في جميع تصرفاتك وأفعالك، فاسمك منذ الآن صادق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015