قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].
يقول سيد قطب: الثبات أحد تكاليف الإيمان، والإيمان ليس كلمة تقال، إنما هي حقيقة ذات تكاليف وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر واحتمال، فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا، وهم لا يتركون لهذه الدعوى حتى يتعرضوا للفتن، فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صفية عناصرهم وخالصة قلوبهم.
1 - الثبات أمام الشبهات:
الشبهات سلاح قديم يشهره الباطل في وجه الحق لبلبلة الفكر وإثارة الشك واهتزاز الثقة، وقد رأينا قذائف الشبهات على مر التاريخ تطلق في كل اتجاه وتسقط في كل ميدان.
فالتشكيك في العقيدة مثلاً: رأينا أبي بن خلف يأخذ عظامًا نخرة فيفتها ويذروها في الهواء قائلاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فيرد عليه بلسان الواثق الموقن: "نعم يميتك ثم يبعثك ثم يدخلك النار" ونزل قول الله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} [يس: 78 - 79] وذلك تأكيدًا على حرص القرآن على رصد الشبهات ودحضها.
وللتشكيك في مصدر القرآن قال المشركون: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] قاصدين بذلك غلامًا أعجميًا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما يجلس إليه يكلمه فنزل قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103].
وللتشكيك في الرسول - صلى الله عليه وسلم - قالوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] فنزل قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ