طلبت القتل في مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي.
أخي الحبيب، احرص على الموت توهب لك الحياة، ولا تجزع عند ملاقاة الأعداء.
قال مسعود بن حارثة قائد مشاة المسلمين لجنده: إن رأيتمونا أصبنا فلا تدعوا ما أنتم فيه، فإن الجيش ينكشف ثم ينصرف، الزموا مصافكم وأغنوا غناء من يليكم، وأصيب مسعود وقواد من المسلمين، ورأي مسعود تضعضع من معه لإصابته، وهو ضعيف قد ثقل من الجراح فقال: يا معسكر بكر بن وائل ارفعوا راياتكم رفعكم الله، لا يهولنكم مصرع أخي فإن مصارع خياركم هكذا، وقاتل أنس بن هلال النميري حتى أصيب، فحمله المثني وحمل أخاه مسعودًا وضمهما إليه، والقتال محتدم على طول الجبهة، ولكن القلب بدأ ينبعج في غير صالح الفرس، وأوجع قلب المسلمين في قلب المجوس.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: مر رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بشعب -فيه عيينة- تصغير عين من ماء عذبة فأعجبته لطيبها، فقال: لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب، ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله، فذكر ذلك لرسول الله فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عامًا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة -هو ما بين الحلبتين من الوقت- وجبت له الجنة" [الترمذي].
احذر النكوص عن الجهاد في سبيل الله بحجة العبادة، فالتضحية بالنفس عبادة ثوابها الجنة.
إنه خبيب بن عدي - رضي الله عنه - صلبه المشركون وبدأت الرماح تنوشه والسيوف تنهش لحمه، واقترب منه أحد زعماء قريش، وقال له: أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك؟ وهنا انتفض خبيب وقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة. وكانت كلماته هذه إيذانًا للرماح أن تبلغ من جسد البطل غايتها، وكان خبيب قد يمم وجهه شطر السماء وابتهل إلى ربه العظيم قائلا: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسلك فبلغه الغداة ما يصنع بنا. ونزل جثمان خبيب حيث كانت بقعة طاهرة من الأرض في انتظاره لتضمه تحت ثراها الطيب.