قال تعالى على لسان السحرة: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)} [طه: 72 - 73].
فلتعذب الأجساد ولتزهق الأرواح، وتقطع الأيدي والأرجل من خلاف، ولتصلبنا في جذوع النخل، فافعل ما تشاء. وهكذا أصحاب العقيدة يضحون بكل ما يملكون؛ لا يذلون ولا يهنون، ولا يضعفون مهما لاقوا من وسائل التعذيب، بل يظلون أوفياء للفداء، شرفاء عند الابتلاء، أقوياء يتحدون جبروت الأعداء، ومهما تكرر الوعيد أمامهم فإنهم يعتصمون بحبل الله القوي المتين قائلين: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف: 126].
في موقعة القادسية برز رجل من المجوس أمام صفوف بكر بن وائل فنادى: من يبارز؟ فخرج له علباء بن جحش العجلي فضربه علباء في صدره، وشق رئتيه، وضربه الآخر فأصاب علباء في بطنه وانتثرت أمعاؤه، وسقطا معًا على الأرض، أما المجوسي فمات من ساعته، وأما علباء فلم يستطع القيام، وحاول أن يعيد أمعاءه إلى مكانها فلم يتأت له، ومر به رجل من المسلمين فقال له علباء: يا هذا أعني على بطني، فأدخل له أمعاءه، ثم زحف نحو صف العجم دون أن يتلفت إلى المسلمين وراءه، فأدركه الموت على ثلاثين ذراعًا من مصرعه وهو يقول:
أرجو بها من ربنا ثوابا ... قد كنت ممن أحسن الضرابا
من منا يستطيع أن يثبت في هذا الموقف، ويضحي بنفسه في سبيل الله؟!
لما حضرته الوفاة وأدرك ذلك، بكى وقال: ما من عمل أرجي عندي بعد "لا إله إلا الله" من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين، بتها وأنا متترس، والسماء تنهل عليَّ، وأنا أنتظر الصبح حتى أغير على الكفار، فعليكم بالجهاد، لقد شهدت كذا وكذا زحفًا، وها أنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء، لقد