حينئذ بادر الأستاذ الهضيبي وعلماء الإخوان لإخماد الفتنة، وكانت مناقشات ومحاضرات .. فرجع الكثير عن هذا الفكر، ولم يبق إلا قلة شاذة، وجددت البيعة .. فقال بعض الشواذ: نبايع على كل شيء في الجماعة ما عدا (مسألة التكفير) فتترك للاجتهاد الشخصي، فأجاب الأستاذ بحسم: بل كل شيء حتى مسألة التكفير. ومن لم يبايع فليبحث له عن لافتة أخرى غير الإخوان المسلمين (?)، الدين الحنيف لا يوجد فيه عنف ولا قسوة، ومن اختل فهمه للإسلام انحرف عن طريق الجادة.
يقول البنا: اذكروا جيدًا أن الله قد منَّ عليكم، ففهمتم الإسلام فهما نقيًا صافيًا، سهلاً شاملاً، كافيًا وافيًا، يساير العصور ويفي بحاجات الأمم، ويجلب السعادة للناس، بعيدًا عن جمود الجامدين وتحلل الإباحيين وتعقيد المتفلسفين، لا غلو فيه ولا تفريط، مستمدًا من كتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالحين استمدادًا منطقيًا منصفًا، بقلب المؤمن الصادق، وعقل الرياضي الدقيق، وعرفتموه على وجهه: عقيدة وعبادة، ووطن وجنس، وقلب ومادة، وسماحة وقوة، وثقافة وقانون، واعتقدتموه على حقيقته: دين ودولة، وحكومة وأمة، ومصحف وسيف، وخلافة من الله للمسلمين في أمم الأرض أجمعين. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
عن ابن عباس قال: أسرت الروم عبد الله بن حذافة السهمي فقال له الطاغية: تنصر وإلا ألقيتك في البقرة -لبقرة من نحماس-.
قال: ما أفعل .. فدعا بالبقرة النحاس فملئت زيتًا وغليت ودعا برجل من أسرى المسلمين فعرض عليه النصرانية، فأبى فألقاه في البقرة فإذا عظامه تلوح، وقال لعبد الله: تنصر وإلا ألقيتك.
قال: ما أفعل، فأمر به أن يلقى في البقرة فبكى، فقالوا: قد جزع، قد بكى.
قال: ردوه، قال: لا ترى أني بكيت جزعًا مما تريد أن تصنع بي ولكني بكيت حيث