ففتش عنهم في مظان وجودهم، ودعاهم إلى طاعة الله سبحانه، وألف بينهم، وأقاموا مسجدا كان فيما بعد منطلقا للدعوة إلى الله في تلك البلدة.
إنها الحركة سر شيوع دعوة الإسلام المباركة في أرجاء الدنيا، ينطلق بها جنود لا يعلمهم إلا الله {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31] (?).
ويلفتنا الأستاذ محمد أحمد الراشد إلى ميزان غريب نقيس به تلك الحركة الحياتية فيقول: وقد كنت في الأيام الخوالي ألاطف إخواني فأفتش عن أحذيتهم ليس على نظافتها، وصبغها، ورونقها، كالتفتيش العسكري، بل على استهلاكها، وتقطعها، والغبار الذي عليها، وأقلبها فأرى النعل، فمن كان أسفل حذائه متهرئا تالفا فهو الناجح، وأقول له: شاهدك معك، حذاؤك يشهد لك أنك تعمل، وتغدو في مصالح الدعوة وتروح، وتطبق قاعدة: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس: 20] وبكثرة حركتك تلف حذاؤك، فأنت المجتاز المرضي عندي.
قال صباح أحد زملائه: قد -والله- بعد عشرين سنة يأخذني تأنيب الضمير كلما رأيت حذائي لا غبار عليه، وأتذكر ذاك التفتيش.
وها هو رجل بسيط لم يتعلم العلم الشرعي، ولكن قلبه قد امتلأ بحب الله والرغبة في نصرة دين الله، فحضر يوما درسًا لأحد الدعاة وفي أثناء الدرس قال الشيخ: قال رسول الله: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم". [البخاري].
فتحرك قلب هذا الرجل البسيط لهذه الكلمات وخرج بعد انتهاء الدرس وقد عزم على أن يدعو إلى الله بهذا الحديث فبدأ يدخل على البقال ويقول له: "كلمتان خفيفتان على اللسان .. " ثم يدخل على الجزار .. إلى أن أصبح همه كله أن يعلم الناس جميعا هذا الحديث.