تلاوة صدر سورة الأنفال وفيها ذكر غزوة بدر، حتى أتيت قول الله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6)} [الأنفال: 5 - 6] وأحسست أنني من الفريق الكاره الذين {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الأنفال: 6] (?).
قصة يرويها صاحبها فيقول: أنا شاب أردني، قدمت إلى السعودية (تبوك) بحثا عن عمل، ولم أكن آنذاك مسلما حقيقيا، وإنما كنت مسلما بالوراثة كحال كثير من المسلمين في هذا الزمن العصيب. في البداية عملت في أحد المطاعم، ثم طلب مني صاحب المطعم أن أعمل في محل له لبيع أشرطة الفيديو، وما أدراك ما أشرطة الفيديو! وما فيها من الخلاعة والمجون، وفي إحدى الليالي، دخل علي شاب مشرق الوجه، بهي الطلعة، تبدو عليه علامات الصلاح والالتزام. وعجبا، ماذا يريد هذا الشاب؟ قلتها في نفسي. مد هذا الشاب يده وصافحني بحرارة، وقد علت محياه ابتسامة رائعة، تأسر القلب، وتزيل الوحشة، وتحطم الحواجز النفسية التي كثيرا ما تقف حائلا تمنع وصول الخير إلى من هم في أمس الحاجة إليه، ثم نصحني نصيحة موجزة، وحذرني من عاقبة مثل هذا العمل، وما يترتب عليه من إفساد للمجتمع، ونشر للرذيلة بين أفراده، وأن الله سيحاسبني على ذلك يوم القيامة، وبعد أن فرغ من حديثه، أهدى إلي شريطا عن "كرامات المجاهدين" .. كنت أسكن بمفردي، وأعاني من وحدة قاتلة، وقد مللت سماع الأغاني ومشاهدة الأفلام، فدفعني الفضول للاستماع لذلك الشريط .. وما إن انتهيت من سماعه حتى انتابني شعور بالخوف والندم، واكتشفت حقيقة حالي وغفلتي عن الله، وتقصيري تجاه خالقي سبحانه فانخرطت في البكاء، بكيت بكاء مرا كما يبكي الطفل الصغير من شدة الندم، لقد تحدث الشيخ عن كرامات المجاهدين وبطولاتهم وقد باعوا أنفسهم لله، وحملوا أرواحهم على أكفهم ليقدموها رخيصة في سبيل الله، فعقدت مقارنة بينهم وبين من ينشر الرذيلة والفساد، ويعيش كما تعيش البهائم لا هم له إلا إشباع شهواته البهيمية، الأدهى من ذلك أنني لم أركع لله ركعة واحدة منذ اثني عشر عاما مضت من عمري الحافل بالضياع