فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)} [الحج: 77 - 78].
هذا كلام لا لبس فيه ولا غموض، والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لواضح كالصبح ظاهر كالنور، يملأ الآذان، ويدخل على القلوب بغير استئذان، أفلم يسمعه المسلمون قبل الآن؟ أم سمعوه ولكن على قلوبهم أقفالاً لا تعي ولا تتدبر؟
يأمر الله المسلمين أن يركعوا ويسجدوا وأن يقيموا الصلاة التي هي لب العبادة وعمود الإسلام وأظهر مظاهره، وأن يعبدوا الله لا يشركون به شيئا، وأن يفعلوا الخير ما استطاعوا، وهو حين يأمرهم بفعل الخير ينهاهم بذلك عن الشر، وإن من أول الخير أن تترك الشر، فما أوجز وما أبلغ! ورتب لهم على ذلك النجاح والفلاح والفوز وتلك هي المهمة الفردية لكل مسلم التي يجب أن يقوم بها بنفسه في خلوة أو جماعة (?).
يقول البهي الخولي: اعلم أن مثل الداعية القوي المؤمن كمثل السيل المنحدر من شواهق الجبال .. فيه منه قوة الاندفاع، وفيه منه للناس سر الانتفاع، ولكن السيل لا يعجل إلى العقبات أو الهضاب فيمزقها، بل يدور حولها ويحيط بأطرافها، ويمضي إلى ما خلفها، ويتركها معزولة عما عداها، ثم يعلو ماؤه ويغزر فيضه، فيرتفع على جوانبها بالتدريج حتى يغطي قممها، ويخضع لسلطانه برءوسها الشامخة. فرسالتك أيها الداعية قد نزلت من الماء لا من الجبل، وأنت سر اندفاعها وانتفاع قلبها، وأنت الذي يجب أن تسبح بدعوتك في كل مكان، فإذا صادفتك عقبة من قانون عتيد، أو شخصية طاغية، فلا تعرض لها بغير ما يعرض لها السيل، ادعها بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا تقف عندها فذلك خرق وجهل، بل افعل ما يفعل السيل؛ در حولها، وامض في سبيلك إلى ما وراءها، وادع الناس إلى جانبك حتى تغدو منعزلة عما عداها، ويقنعها الواقع بقوة أمر الله، أو يغيبها الله عن النظار (?).