صعد معاوية المنبر وشرع في خطبته، وكان قد حبس عن الناس عطاياهم شهرين، فناداه أبو مسلم وقال: يا معاوية، إن هذا المال ليس بمالك ولا مال أبيك وأمك، فبأي حق تحبسه عن الناس؟! فبدا الغضب على وجه معاوية وجعل الناس يترقبون ما عسى أن يكون منه، فما كان منه إلا أن أشار إلى الناس: أن امكثوا في أماكنكم ولا تبرحوها، ثم نزل عن المنبر وتوضأ، وأراق على نفسه شيئًا من الماء ثم صعد المنبر، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه بما هو أهله، وقال: إن أبا مسلم قد ذكر أن هذا المال ليس بمالي ولا مال أبي وأمي، وقد صدق أبو مسلم فيما قال، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ" [رواه أبو داود] أيها الناس: اغدوا علي أعطياتكم على بركة الله عز وجل.
جزى الله أبا مسلم الخولاني خير الجزاء، فقد كان مثلاً فذًا في الصدع بكلمة الحق، ورضي الله عن معاوية بن أبي سفيان أجزل الرضا، فقد كان نموذجًا رائعًا في الانصياع لكلمة الحق.
قال قتادة: خرج عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من المسجد ومعه الجارود، فإذا امرأة بارزة على الطريق، فسلم عليها، فردت عليه -أو سلمت عليه- فرد عليها.
فقالت: هيه يا عمر، عهدتك وأنت تسمى عميرًا في سوق عكاظ تصارع الصبيان فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الموت خشي الفوت.
فبكى عمر، فقال الجارود: هيه، لقد تجرأت على أمير المؤمنين وأبكيتيه.
فقال عمر: دعها، أما تعرف هذه؟ هذه خولت بنت حكيم التي سمع الله قولها من فوق سماواته، فعمر والله أحرى أن يسمع كلامها (?).
هل تقبل النصيحة من إخوانك بصدر رحب، وإن كانت ممن هو أقل منك وأصغر؟