جعل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - موسم الحج جمعية عمومية ليلتقي فيه بزوار بيت الله الحرام والعمال وأصحاب المظالم، فكان موسما عاما للمراجعة، ولا يكتفي عمر بأهل الخبرة، بل إذا أعياه الأمر دعا الأحداث فاستشارهم لحدة عقولهم، وإنه لإلهام في فن الاستشارة.
قالت بلقيس: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)} [النمل: 32 - 35] وبمثل هذه المثاورة البناءة تمكنت ملكة سبأ أن تجنب قومها الدخول في حرب خاسرة بل دخلت في دين سليمان.
الإسلام لا يحب أن يؤم رجل الناس في صلاة الجماعة وهم له كارهون، فكيف يقبل أن يقود رجل أمة كلها في شئونها العامة، وهي له كارهة.
أحجم الناس عن الخروج إلى دولة الفرس، لما في نفوسهم من عظمتها وشوكتها القديمة، ولكن المثنى بن حارثة الشيباني وقف في المدينة المنورة وقال: أيها الناس، لا يعظمن عليكم هذا الوجه فإنا قد فتحنا ريف فارس، وغلبناهم، ونلنا منهم، واجترأنا عليهم، ولنا إن شاء الله ما بعدها.
وكان أول من استجاب للخروج أبو عبيد بن مسعود الثقفي، فأمَّره عمر بن الخطاب على الجيش فسار بالمسلمين إلى أرض العراق، بعد ما أوصاه عمر أن يسمع من أصحاب رسول الله ويشركهم في الأمر، وألا يتسرع.
بعث رستم بهمن جاذويه إلى أبي عبيد، وقال له: إما أن تعبر النهر -نهر الفرات- إلينا وندعكم والعبور، وإما أن تدعونا نعبر إليكم، فنهى الناس أبا عبيد عن العبور فترك الرأي والمشورة، وقال أبو عبيد: لا يكونوا أجرأ على الموت منا، فعبروا إليهم فاقتتلوا، وكان مع الفرس فيلة، فلما رأتها خيل المسلمين لم تتقدم نحوها وتراجت، ففرقت الفيلة