قال الغلام: أخطأ خطيئة ملأت ما بين السماء والأرض.
قال الحجاج: وما هي؟
قال الغلام: استعماله إياك على رعيته، تستبيح أموالهم، وتستحل دماءهم.
فالتفت الحجاج إلى جلسائه وقال: ما تشيرون في هذا الغلام؟
قالوا: اسفك دمه، فقد خلع الطاعة، وفارق الجماعة.
فقال الغلام: يا حجاج! جلساء أخيك فرعون خير من جلسائك، حيث قالوا لفرعون عن موسى عليه السلام وأخيه: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: 111] وهؤلاء يأمرون بقتلي، إذن والله تقوم عليك الحجة بين يدي الله ملك الجبارين ومذل المستكبرين.
فقال له الحجاج: هذب ألفاظك، وقصر لسانك، فإني أخاف عليك بادرة الأمر، وقد أمرت لك بأربعة آلاف درهم.
فقال الغلام: لا حاجة لي بها، بيض الله وجهك، وأعلى كعبك.
فالتفت الحجاج إلى جلسائه وقال: هل علمتم ما أراد بقوله: "بيض الله وجهك وأعلى كعبك؟ ".
قالوا: الأمير أعلم.
قال: أراد بقوله: "بيض الله وجهك" العمى والبرص، وبقوله: "أعلى كعبك" التعليق والصلب.
ثم التفت إلى الغلام وقال له: ما تقول فيما قلت؟
قال الغلام: قاتلك الله، ما أفهمك!
فاستشاط الحجاج غضبا، وأمر بضرب عنقه، وكان الرقاشي حاضرا، فقال: أصلح الله الأمير، هبه لي.
قال الحجاج: هو لك، لا بارك الله لك فيه.
فقال الغلام: والله لا أرى أيكما أحمق من صاحبه؟ الواهب أجلا قد حضر، أم المستوهب أجلا لم يحضر؟
فقال الرقاشي: استنقذتك من القتل وتكافئني بهذا الكلام؟