الإنسان ولده المريض عن أكل اللحم والحلوى، وهو كله رحمة بولده، وقد يمسك الوالد ولده بيده، ويقدمه للطبيب ليجري له عملية جراحية والولد يتألم والوالد كله رحمة بابنه.
وما من سيف لقمع ظالم أو سلاح لقهره رفع إلا وهو رحمة بالمجتمع الإنساني، وأكثر رحمته تتجلى في القصاص، فإن وجب القتل على إنسان فقُتل كان ذلك رحمة بالمجتمع لعدم انتشار الفوضى.
بل إنك إذا نظرت إلى النار بعين الاعتبار، وجدت في باطنها رحمة، ولولا النار ما عرف القهار للكفار الفجار (?).
يا رحمن الوجود، يا من وسعت كل شيء رحمة وعلما، ظهرت رحمتك في كل ذرات الوجود فلا نرى شيئا إلا ونقرأ من آيات رحمتك ما يجذبنا إليك، وتطمئن قلوبنا بواسع حنانك.
رحمتك بالعوالم دلتنا على سعة الحنان فاطمأنت قلوبنا بأنك الرحيم بجميع الأكوان، وأنت تحب الرحمة لأنها صفتك، ونحن المستحقون لها لأن عيوبنا كثيرة، فانشر علينا رحمتك يا أرحم الراحمين.
الله يقسم رحمته كيف يشاء، ويدخل في رحمته من يشاء، والرحمة من الله إنعام وفضل، ونحن لا نكاد نرى آثار رحمة الله لكثرتها، وذلك بأن نعم الله لا تحصى، ولكننا نحسها إن أمسك الله بعض رحمته ونشعر وكأنها تنزع نزعا، قال تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} [هود: 9] ومن المبشرات أن الله جعل الرحمة قريبة من المحسنين قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
يقول سيد قطب: وهكذا يتصور المسلم رحمة ربه وعدله في التكاليف التي يفرضها الله عليه في خلافته للأرض، وفي ابتلائه في أثناء الخلافة، وفي جزائه على عمله في نهاية المطاف، ويطمئن إلى رحمة الله وعدله في هذا كله، فلا يتبرم بتكاليفه، ولا يضيق بها