فقال: ما تركت الزواج عزوفا عن سنة النبي، فأنا أشهد أنه لا رهبانية في الإسلام، وإنما أنا امرؤ رأى أن له نفسا واحدة، فجعلها لله عز وجل، وخشي أن تغلبه الزوجة عليها.
فقال: ما لك لا تأكل اللحم؟
فقال: بل آكله إذا اشتهيته ووجدته، أما إذا لم أشتهه، أو اشتهيته ولم أجده فإني لا آكله.
فقال: ما لك لا تأكل الجبن؟
فقال: إنا بمنطقة فيها مجوس يصنعون الجبن، وهم قوم لا يفرقون بين الميتة والمذبوحة، وإني لأخشى أن تكون المنفحة (مادة تستخرج من بطن الجدي وتوضع في الحليب فيصير جبنًا) التي صنع بها الجبن من شاة غير مذبوحة، فما شهد شاهدان من المسلمين على أنه جبن صنع بمنفحة شاة مذبوحة أكلته.
فقال: وما يمنعك من أن تأتي الولاة، وتشهد مجالسهم؟
فقال: إن في أبوابكم كثيرا من طلاب الحاجات، فادعوهم إليكم، واقضوا حوائجهم لديكم واتركوا من لا حاجة له عندكم.
رفعت أقوال عامر بن عبد الله إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فلم يجد فيها نبذًا لطاعة، أو خروجا على السنة والجماعة، غير أن ذلك لم يطفئ نار الشر، وكثر القيل والقال حول عامر بن عبد الله، وكادت تكون فتنة بين أنصار الرجل وخصومه، فأمر عثمان بتسييره إلى بلاد الشام، واتخذها دار إقامة له، وأوصى واليه على الشام معاوية بن أبي سفيان أن يحسن استقباله، وأن يرعى حرمته، وفي اليوم الذي هم فيه عامر بالرحيل عن البصرة خرج خلق كثير من إخوانه وتلاميذه لوداعه، وشيعوه.
فقال دهم: إني داع فأمنوا على دعائي، فاشرأبت إليه أعناق الناس، وسكنت حركاتهم، وتعلقت به عيونهم، فرفع يديه وقال: اللهم من وشى بي وكذب علي وكان سببا في إخراجي من بلدي، والتفريق بيني وبين صحبي، اللهم إني صفحت عنه فاصفح عنه، وهبه العافية في دينه ودنياه، وتغمدني وإياه وسائر المسلمين برحمتك وعفوك