اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] فعلمت أني واحد من هذه الدواب التي على الله رزقها، فاشتغلت بما لله تعالى عليّ وتركت مالي عنده.
الثامنة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلهم متوكلين على مخلوق؛ هذا على عقاره، وهذا على تجارته، وهذا على صناعته، وهذا على صحة بدنه، وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله، فرجعت إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] فتوكلت على الله عز وجل فهو حسبي.
قيل إن أبا الأسود الدؤلي دخل على ابنته يوما، فقالت له: ما أحسنُ السماء -بضم النون- فظن أنها تسأل.
فقال لها: نجومها.
فقالت له: أنا لا أسأل ولكني أريد أن السماء حسنة.
فقال لها: إذن فقولي: ما أحسنَ السماء -بفتح النون- ثم انصرف إلى الإمام علي كرم الله وجهه فقال له: لقد فسد لسان العرب، وقص عليه القصة. فأمره أن يضع علم النحو، وأول باب وضعه هو باب التعجب، ثم أتبعه بكثير من الأبواب سدا لما كان يسمع من الخطأ.
وقيل إنه قال لأبي الأسود حين جاءه يخبره بفساد لسان العرب: الكلمة اسم وفعل وحرف، وعلى هذا فانح يا أبا الأسود، فسمى هذا العلم نحوا لهذه الكلمة.
يقول أبو حنيفة: لما أردت طلب العلم جعلت أتخير العلوم وأسأل عن عواقبها، فقيل لي: تعلم القرآن، فقلت: إذا تعلمت القرآن وحفظته فما يكون آخره؟
قالوا: تجلس في المسجد ويقرأ عليك الصبيان والأحداث، ثم لا تلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك أو يساويك في الحفظ، فتذهب رياستك.
ثم خطر لي أن أتعلم الحديث.