لأتبعنه، ولأنظرن ما يصنع في هذه الليلة، فمضى حتى انتهى إلى رابية ملتفة الشجر، مستورة عن العين، فاستقبل القبلة، وانتصب قائما يصلي، فما رأيت أحسن من صلاته، فلما صلى ما شاء أن يصلي طفق يدعو الله ويناجيه، فكان مما قاله: إلهي لقد خلقتني بأمرك، وأقمتني في بلايا هذه الدنيا بمشيئتك، ثم قلت لي: استمسك، فكيف أستمسك إن لم تمسكني بلطفك يا قوي يا متين، إنك تعلم أنه لو كانت لي هذه الدنيا بما فيها، ثم طُلبت مني مرضاة لك، لوهبتها لطالبها، فهب لي نفسي يا أرحم الراحمين، إني أحببتك حبا سهل علي كل مصيبة، ورضاني بكل قضاء، فما أبالي مع حبي لك ما أصبحت عليه، وما أمسيت فيه.
قال الرجل البصري: ثم إنه غلبني النعاس، فأسلمت جفني إلى الكرى، ثم ما زلت أنام وأستيقظ، وعامر منتصب في موقفه، ماض في صلاته ومناجاته، حتى تنفس الصبح، فلما بدا الفجر أدى المكتوبة، ثم أقبل يدعو فقال: اللهم ما قد أصبح الصبح، وطفق الناس يغدون ويروحون، يبتغون من فضلك، وإن لكل منهم حاجة، وإن حاجة عامر عندك أن تغفر له، اللهم فاقض حاجتي وحاجاتهم يا أكرم الأكرمين، اللهم إني سألتك ثلاثا، فأعطيتني اثنتين ومنعتني واحدة، اللهم فأعطنيها حتى أعبدك كما أحب وأريد، ثم نهض من مجلسه فوقع بصره على فعلم بمكاني منه في تلك الليلة، فجزع لذلك أشد الجزع، وقال لي في أسى: أراك كنت ترقبني الليلة يا أخا البصرة؟
فقلت: نعم.
فقال: استر ما رأيت مني ستر الله عليك.
فقدت: والله لتحدثني بهذه الثلاث التي سألتها ربك، أو لأخبرن الناس بما رأيته منك.
فقال: ويحك لا تفعل.
فقلت: هو ما أقول لك، فلما رأى إصراري.
قال: أحدثك على أن تعطيني عهد الله وميثاقه ألا تخبر بذلك أحدا.
فقدت: لك عليّ عهد الله وميثاقه ألا أفشي لك سرا ما دمت حيا.
فقال: لم يكن شيء أخوف علي في ديني من النساء، فسألت ربي أن ينزع من قلبي