عالي الهمة يعرف قدر نفسه، في غير كبر، ولا عجب، ولا غرور، وإذا عرف المرء قدر نفسه صانها عن الرذائل، وحفظها من أن تهان، ونزهها عن دنايا الأمور وسفاسفها في السر والعلن، وجنبها مواطن الذل.
ألم تر إلى شرف نفس الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم نبي الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم حين دعا ربه: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف: 33] وحين قال لرسول الملك: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: 50].
قيل لرجل: لي حويجة.
فقال: اطلب لها رجيلا.
وقد قيل لبعض العلماء: لي سؤال صغير.
فقال: اطلب له رجلا صغيرا.
ويقول ابن الجوزي: لا شيء أقتل للنفس من شعورها بضعتها وصغر شأنها وقلة قيمتها، وأنها لا يمكن أن يصدر عنها عمل عظيم، ولا ينتظر منها خير كبير، هذا الشعور بالضعة يفقد الإنسان الثقة بنفسه والإيمان بقوتها، فإذا أقدم على عمل ارتاب في مقدرته وفي إمكان نجاحه، وعالجه بفتور ففشل فيه. الثقة بالنفس فضيلة كبرى عليها عماد النجاح في الحياة وشتان بينها وبين الغرور الذي يعد رذيلة، والفرق بينهما أن الغرور اعتماد النفس على الخيال وعلى الكبر الزائف، والثقة بالنفس اعتمادها على مقدرتها مع تحمل المسئولية، وعلى تقوية ملكاتها وتحسين استعداداتها (?).
كان من أخبار عامر بن عبد الله ما حدث به أحد أبناء البصرة قال: سرت في قافلة فيها عامر بن عبد الله، فلما أقبل علينا الليل، نزلنا فحمل عامر متاعه، وربط فرسه بشجرة، وجمع له من حشائش الأرض ما يشبعه، ثم توارى، فقلت في نفسي: والله