تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا لعمرى في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمة ... منه وأنت لشكر ذاك مضيع (?)
وإليك أخي العاقل هذه اللفتة من ابن القيم يقول فيها: اشغل نفسك فيما يعنيك دون ما لا يعنيك، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه، فإياك ثم إياك أن تمكن الشيطان من بيت أفكارك، فإنه يفسدها عليك فسادا يصعب تداركه، ويلقى إليك الوساوس، ويدخل فيما بينك وبين الفكر فيما ينفعك، وأنت تعينه على نفسك بتمكينه من قلبك، فمثالك معه كمثال صاحب (رحى) يطحن بها جيد الحبوب فأتاه شخص معه حمل به تراب، وبعر وغثاء ليطحنه في طاحونك فإن طردته ولم تمكنه من إلقاء ما معه في الطاحون فقد واصلت على طحن ما ينفعك، وإن مكنته من إلقاء ما معه في الطاحون، أفسد عليك ما في الطحين من حب فخرج الطاحون كله فاسدا.
وعن طاوس قال: رأيت علي بن الحسين ساجدا في الحجر فقلت: رجل صالح من أهل بيت طيب، لأسمعن ما يقول: فأصغيت إليه فسمعته يقول: عبدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك، فوالله ما دعوت الله بها في كرب إلا كشف الله عني.
وعن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أن أباه كان يقول في جوف الليل: أمرتني فلم أأتمر، وزجرتني فلم أزدجر، هذا عبدك بين يديك ولا أعتذر.
كان داود الطائي يعاتب نفسه قائلا: يا داود، من خاف الوعيد، قصر عليه البعيد، ومن طال أمله قصر عمله، وكل ما هو آت قريب، واعلم يا داود، أن كل شيء يشغلك عن ربك فهو عليك مشئوم، واعلم يا داود، أن أهل الدنيا جميعا من أهل القبور، إنما يندمون على ما يخلفون، ويفرحون بما يقدمون، فبما عليه أهل القبور يندمون، عليه أهل الدنيا يقتتلون، وفيه يتنافسون، وعليه عند القضاء يختصمون.