موعد الحج، فلما لم يبق أمامه غير وقت قصير، دخل على يزيد، واستأذنه في الانصراف إلى القيام بالنسك، فقال له يزيد: إذنك بيدك يا أبا عبد الله، فامض متى شئت، وقد أمرنا لك بمبلغ من المال يعينك على حجك، فقال له: وهل ستأمر بمثل هذا المال لكل جندي من جنودك أيها الأمير؟ فقال: لا، قال: لا حاجة لي بشيء أخص به من دون جند المسلمين، ثم ودعه وانصرف.
عبد الملك بن مروان كان حريصا على نزاهة من يعملون في دولته، فقد بلغه ذات يوم أن أحد عماله قبل هدية، فأمر بإحضاره إليه، فلما حضر قال له: أقبلت هدية منذ وليتك؟ قال: يا أمير المؤمنين بلادك عامرة وخراجك موفور، ورعيتك على أفضل حال، قال: أجب عما سألتك، قال: نعم، قد قبلت، فعزله.
لا تقبل هدية ممن له حاجة عندك في مكان العمل بهدف تيسير أموره وتأخير الآخرين.
يقول عثمان بن عطاء الخراساني: انطلقت مع أبي نريد هشام بن عبد الملك، فكلما غدونا قريبا من دمشق إذا نحن بشيخ على حمار أسود عليه قميص خشن وجبَّة بالية، فضحكت منه، وقلت لأبي: من هذا؟
فقال: اسكت، هذا سيد فقهاء الحجاز عطاء بن أبي رباح، فلما قرب منا نزل أبي عن بغلته، ونزل هو عن حماره، فاعتنقا وتساءلا، ثم عادا فركبا، وانطلقا حتى وقفا على باب قصر هشام بن عبد الملك، فما أن استقر بهما الجلوس حتى أذن لهما، فلما خرج أبي قلت له: حدثني بما كان منكما.
فقال: لما علم هشام أن عطاء بن أبي رباح بالباب بادر فأذن له -ووالله ما دخلت إلا بسببه- فلما رآه هشام قال: مرحبا مرحبا ههنا ههنا، ولا زال يقول له: ههنا ههنا، حتى أجلسه معه على سريره، ومس بركبته ركبته، وكان في المجلس أشراف الناس، وكانوا يتحدثون فسكتوا، ثم أقبل عليه هشام، وقال: ما حاجتك يا أبا محمد؟