وبعث يوما غلامه ليشوي له لحما فجاءه به سريعا فقال: أين شويته؟ قال الغلام: في المطبخ، فقال: في مطبخ المسلمين؟ قال: نعم، فقال عمر: كلها فإني لم أرزقها، هي رزقك!
وسخنوا له الماء في المطبخ العام، فرد بدل ذلك بدرهم حطبا، وكان - صلى الله عليه وسلم - له سراج يكتب عليه حوائجه، وسراج لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين، لا يكتب على ضوئه لنفسه حرفا.
فانظر كيف بلغ تورعه وكيف بلغت عفته، هكذا كان يأخذ نفسه بالشدة.
عن فاطمة ابنة عبد الملك قالت: اشتهى عمر بن عبد العزيز يومًا عسلاً، فلم يكن عندنا، فوجهنا رجلاً على دابة من دواب البريد إلى بعلبك بدينار، فأتى بعسل، فقلت: إنك ذكرت عسلاً وعندنا عسل، فهل لك فيه.
قالت: فأتيناه به فشرب، ثم قال: من أين لكم هذا العسل؟
قالت: وجهنا رجلاً على دابة من دواب البريد بدينار إلى بعلبك، فاشترى لنا عسلاً.
فأرسل إلى الرجل، فقال: انطلق بهذا العسل إلى السوق فبعه، واردد إلينا رأس مالنا، وانظر إلى الفضل فاجعله في علف دواب البريد، ولو كان ينفع المسلمين قيء لتقيأت.
أتت عمة عمر بن عبد العزيز إلى امرأته فاطمة، فقالت: إني أريد كلام أمير المؤمنين.
قالت لها: اجلسي حتى يفرغ.
فجلست، فإذا بغلام قد أتى، فأخذ سراجًا. فقالت لها فاطمة: إن كنت تريدينه فالآن، فإنه إذا كان في حوائج العامة؟ كتب على الشمع، وإذا صار إلى حاجة نفسه؛ دعا بسراجه.
فقامت، فدخلت عليه، فإذا بين يديه أقراص وشيء من ملح، وزيت، وهو يتعشى، فقالت: يا أمير المؤمنين، أتيت بحاجة لي، ثم رأيت أن أبدأ بك قبل حاجتي.
قال: وما ذاك يا عمة؟
قالت: لو اتخذت لك طعامًا ألين من هذا.