ابنه عاصم! فقال لي: أتدري ما صنع؟ إنه انطلق إلى العراق فأخبرهم أنه ابن أمير المؤمنين فانتفقهم (سالهم النفقة) فأعطوه آنية وفضة ومتاعا، وسيفا محلى، فقال عاصم: ما فعلت، إنما قدمت على أناس من قومي، فأعطوني هذا، فقال عمر: خذه يا معيقيب فاجعله في بيت المال.
فهذا مثل في التحري في المال الذي يكتسبه الإنسان عن طريق جاهه ومنصبه بدون جهد.
قدم على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مسك وعنبر من البحرين، فقال عمر: والله لوددت أني وجدت امرأة تحسن الوزن تزن لي هذا الطيب حتى أقسمه بين المسلمين، فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد: أنا جيدة الوزن فهلم أزن لك، قال: لا، قالت: لم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه فتجعليه هكذا -وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحي به عنقك، فأصيب فضلا على المسلمين.
فهذا من احتياطه البالغ لأمر دينه وخوفه من أن تمسح زوجته عنقها منه فيكون قد أصاب شيئا من مال المسلمين. بينما لا يتذكر هذه الملاحظات بعض أصحاب المناصب الآن.
قال معدان بن أبي طلحة اليعمري: إنه قدم على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بقطائف وطعام، فأمر به فقسم، ثم قال: اللهم إنك تعلم أني لن أستاثر عليهم إلا أن أضع يدي في طعامهم، وقد خفت أن تجعله نارا في بطن عمر، قال معدان: ثم لم أبرح حتى رأيته اتخذ صفحة (إناء) من خالص ماله فجعلها بينه وبين جفان العامة.
أمير الؤمنين عمر يرغب في أن يأكل مع عامة المسلمين لما في ذلك من المصالح الاجتماعية، ولكنه يتحرج أن يأكل من طعام صنع من مال السلمين العام، فيأمر بإحضار طعام خاص له من خالص ماله، وهذا مثال في العفة والورع إذ إن الأكل من مال المسلمين العام معهم ليس فيه شبهة تحريم لأنه منهم ولكنه قد أعف نفسه عن ذلك ابتغاء ما عند الله تعالى، ولشدة خوفه من الله تعالى خشي أن يكون ذلك من الشبهات فحمى نفسه منه.