فأما اليوم فنشكو إلى الله أحوال المسلمين؛ فلا تكاد تمر ببيت في صلاة الفجر إلا وتسمع غطيط أهله بالنوم بعد سهر الليل على مسلسلات الحب والغرام وكلمات الفحش والإجرام، ليل صاخب ووجه شاحب وابتعاد عن الهدي الأول، نعم، فإلى وقت قريب لم يكن ليل المسلمين هكذا، بل كان ليل الآباء والأمهات والأجداد والجدات، ليل الصالحين والصالحات، ليل الراكعين والراكعات، ليل الساجدين والساجدات، ليل التائبين، ليل المستغفرين، فما الذي دهانا؟ ما الذي دهانا معشر البنين والبنات؟! سيئات وشهوات، وقنوات ومسلسلات (?).
وكان الصالحون من هذه الأمة حريصين على بدء القتال دائما بعد صلاة الصبح، وليس قبلها، حتى لا تضيع عليهم الصلاة، لأن وقتها قصير، وحتى يحصلوا على بركة الساعات الأولى من النهار، وحتى يبتهلوا إلى الله في صلاتهم أن ينصرهم على أعدائهم.
خالد بن الوليد - رضي الله عنه - لم يكن يبدأ قتاله إلا بعد صلاة الصبح.
ويوسف بن تاشفين -رحمه الله- زعيم دولة الرابطين، وقائد من أعظم قادة المسلمين، لم يخض موقعة الزلاقة المشهورة إلا بعد أن صلى الفجر بجيش المسلمين، ثم بدأ القتال.
وقطز -رحمه الله- بدأ القتال في موقعة عين جالوت المشهورة ضد التتار بعد صلاة الصبح مباشرة (?).
أنس بن مالك - رضي الله عنه - كان يبكي كلما تذكر فتح "تستر".
و"تستر" كانت مدينة فارسية حصينة حاصرها المسلمون سنة ونصفًا بالكامل، ثم سقطت المدينة في أيدي المسلمين، وتحقق لهم فتح مبين، وهو من أصعب الفتوح التي خاضها المسلمون ..
فإذا كان الوضع بهذه الصورة الجميلة المشرقة فلماذا يبكي أنس بن مالك - رضي الله عنه - عندما يتذكر موقعة تستر؟