الجميلة، ويتجافى عن الأخلاق الدنيَّة، فأما أخلاقُه مع مجالسيه، فصبورٌ على من كان ذهنُه بطيئًا عن الفهم حتى يفهَم عنه، صبور على جفاء من جَهِل عليه حتى يردَّه بحلم، يؤدِّب جلساءه بأحسن ما يكون من الأدب، لا يَدَعُهم يخوضون فيما لا يعنيهم، ويأمرهم بالإنصات مع الاستماع إلى ما يَتطق به من العلم، فإن تَخَطَّى أحدهم إلى خُلقٍ لا يحسن بأهل العلم لم يَجبَهه في وجهه على جهة التبكيت له، ولكن يقول: لا يَحسُنُ بأهل العلم والأدب كذا وكذا، وينبغي لأهل العلم أن يتجافوا عن كذا وكذا، فيكون الفاعل لخُلُقٍ لا يَحسُن قد علم أنه المراد بهذا فيبادر برفقه به، وإن سأله منهم سائل عما لا يعنيه رده عنه، وأمره أن يسأل عمَّا يعنيه، فإذا علم أنهم فقراء إلى عِلم قد غفلوا عنه أبداه إليهم، وأعلمهم شِدَّةَ فَقرِهم إليه، لا يُعَنَّفُ السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله، ولا يزجره فيضيع من قدره، ولكن يبسطه في المسألة ليجبُرَه فيها، قد علم بُغيته عمَّا يعنيه، ويحثه على طلب علم الواجبات من علم أداء فرائضه واجتناب محارمه، يُقبلُ على مَن يعلم أنه محتاج إلى علم ما يسأل عنه، ويترك من يعلم أنه يريد الجدل والمراء، يُقرِّبُ عليهم ما يخافون بُعدَه بالحكمة والموعظة الحسنة، يسكت عن الجاهل حِلمًا، وينشُر الحكمة نصحًا، فهذه أخلاقُه لأهل مجلسه وما شاكل هذه الأخلاق.
وأمَّا ما يستعمل مع ما يسأله عن العلم والفتيا، فإنَّ من صفته إذا سأله سائل عن مسألة، فإن كان عنده علمٌ أجاب، وجعل أصله أن الجواب من كتابٍ، أو سنةٍ، أو إجماع، فإذا أوردت عليه مسألةٌ قد اختلف فيها أهلُ العلم اجتهد فيها، فما كان أشبهَ بالكتاب والسنة والإجماع، ولم يخرج به