السراجُ، فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يَستصبح، فمكث هنيئة، ثم جاءَ بالسراج، فنظرتُ إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فُضِّل هذا الرجل علينا، ولعله حين فَقدَ السراج فصار إلى الظُلمة ذكرَ القيامة.
قال المروَزِيِّ: وسمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبئةٍ كانت له (?).
قلت: وصدق الإمام ابن قيم الجوزية في قوله: "اعلم أن أشِعَّة "لا إله إلا الله" تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها نور، وتفاوتُ أهلها في ذلك النور قوةً، وضعفًا لا يحصيه إلا الله تعالى.
فمن الناس: من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس، ومنهم: من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم: من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف , .. نعم من قالها بلسانه، غافلًا عن معناها، معرضًا عن تدبرها، ولم يواطئ قلبه لسانه، ولا عرف قدرها وحقيقتها. راجيًا مع ذلك ثوابها حَطَّت من خطاياه بحسب ما في قلبه، فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب، فتكون صورة العملين واحدة، وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض، والرجلان يكون مقامهما في الصف واحدًا، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض" اهـ (ملخصًا) (?).