أسباب الوقوع في الكذب

(دوافع الكذب كثيرة، منها الخوف من النقد، والخوف من العقاب أو العتاب، ومنها إيثار المصلحة العاجلة، ومنها قلة مراقبة الله والخوفِ منه، ومنها اعتياد الكذب وإلفه، ومنها البيئة والمجتمع، ومنها سوء التربية إلى غير ذلك من دوافع الكذب) (?).

قال ابن أبي الدنيا: (وأما دواعي الكذب فمنها:

- اجتلاب النفع واستدفاع الضر، فيرى أن الكذب أسلم وأغنم فيرخص لنفسه فيه اغترارا بالخدع، واستشفافا للطمع. وربما كان الكذب أبعد لما يؤمل وأقرب لما يخاف؛ لأن القبيح لا يكون حسنا والشر لا يصير خيرا. وليس يجنى من الشوك العنب ولا من الكرم الحنظل.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة فإن فيه النجاة، وتجنبوا الكذب وإن رأيتم أن فيه النجاة فإن فيه الهلكة)) (?).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن يضعني الصدق وقلما يفعل، أحب إلي من أن يرفعني الكذب وقلما يفعل (?).

وقال بعض الحكماء: الصدق منجيك وإن خفته، والكذب مرديك وإن أمنته.

وقال الجاحظ: الصدق والوفاء توأمان، والصبر والحلم توأمان فيهن تمام كل دين، وصلاح كل دنيا، وأضدادهن سبب كل فرقة وأصل كل فساد.

- ومنها: أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذبا وكلامه مستظرفا، فلا يجد صدقا يعذب ولا حديثا يستظرف، فيستحلي الكذب الذي ليست غرائبه معوزة، ولا ظرائفه معجزة.

وهذا النوع أسوأ حالا مما قبل؛ لأنه يصدر عن مهانة النفس ودناءة الهمة.

وقد قال الجاحظ: لم يكذب أحد قط إلا لصغر قدر نفسه عنده.

وقال ابن المقفع: لا تتهاون بإرسال الكذبة من الهزل فإنها تسرع إلى إبطال الحق.

- ومنها: أن يقصد بالكذب التشفي من عدوه فيسمه بقبائح يخترعها عليه، ويصفه بفضائح ينسبها إليه.

ويرى أن معرة الكذب غنم وأن إرسالها في العدو سهم وسم.

وهذا أسوأ حالا من النوعين الأولين؛ لأنه قد جمع بين الكذب المعر والشر المضر.

ولذلك ورد الشرع برد شهادة العدو على عدوه.

- ومنها: أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتى ألفها، فصار الكذب له عادة، ونفسه إليه منقادة، حتى لو رام مجانبة الكذب عسر عليه؛ لأن العادة طبع ثان.

وقد قالت الحكماء: من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه.

وقيل في منثور الحكم: لا يلزم الكذاب شيء إلا غلب عليه) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015