حكم الكبر

وحسب هذه الأنواع المذكورة آنفاً يكون الحكم على هذه الصفة الرديئة والسجية المذمومة, إذ أن هناك من الكبر ما يكون كفراً أكبر مخرجاً من الملة يستحق صاحبه الخلود في النار, وهناك ما يكون صاحبه مرتكباً لكبيرة من الكبائر يستحق العقوبة ومع ذلك هو تحت مشيئة الله تبارك وتعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له, وتفصيل ذلك يتحدث عنه أبو العباس القرطبي رحمه الله فيقول:

(لما تقرَّر أنَّ الكِبْرَ يستدعي متكبَّرًا عليه، فالمتكبَّرُ عليه:

إنْ كان هو اللهَ تعالى، أو رُسُلَهُ، أو الحَقَّ الذي جاءتْ به رسلُهُ: فذلك الكِبْرُ كُفْر.

وإن كان غَيْرَ ذلك: فذلك الكِبْرُ معصيةٌ وكبيرة، يُخَافُ على المتلبِّس بها المُصِرِّ عليها أنْ تُفْضِيَ به إلى الكُفْر، فلا يدخُلُ الجنَّة أبدًا.

فإن سَلِمَ مِنْ ذلك، ونفَذَ عليه الوعيد، عوقبَ بالإذلالِ والصَّغَارْ، أو بما شاء اللهُ مِنْ عذابِ النارْ، حتَّى لا يبقى في قلبه مِنْ ذلك الكِبْرِ مثقالُ ذَرَّه، وخَلُصَ من خَبَثِ كِبْره حتى يصيرَ كالذَّرَّهِ؛ فحينئذ يتداركُهُ الله تعالى برحمتِهْ، ويخلِّصُهُ بإيمانِهِ وبركتِهْ. وقد نصَّ على هذا المعنى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المحبوسين على الصِّرَاط لما قال: حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا، أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ، والله تعالى أعلم) (?).

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (فالذي في قلبه كبر، إما أن يكون كبرا عن الحق وكراهة له، فهذا كافر مخلد في النار ولا يدخل الجنة، لقول الله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ [محمد:9]، ولا يحبط العمل إلا بالكفر لقوله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217] وأما إذا كان كبرا على الخلق وتعاظما على الخلق، لكنه لم يستكبر عن عبادة الله فهذا لا يدخل الجنة دخولا كاملا مطلقا لم يسبق بعذاب بل لابد من عذاب على ما حصل من كبره وعلوائه على الخلق ثم إذا طهر دخل الجنة) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015